الرفيق نقولا بردويل وقصة أول نقابة
الرفيق نقولا بردويل من الرفقاء الأوائل في جل الديب، انتقل إلى الأشرفية حيث كانت له مسؤولياته ونضاله المستمر، فإلى فنزويلا حيث تولى أيضاً مسؤوليات في مديرية كراكاس. عرف بإيمانه العميق بالنهضة وصدقه وتفانيه، فكان أحد جنود الحزب المجهولين الذين يستحقون الذكر والوفاء، لما بذلوه من تضحيات جسام.
يقول الأمين عبدالله قبرصي عن الرفيق نقولا بردويل، إن الرفيق المذكور اضطر ـ لكثرة ما لاقى مع عائلته من اضطهاد ـ للاغتراب إلى فنزويلا منذ أوائل الخمسينات، ولقد كان فيها المحرك الأساسي لقيام مديرية عاملة في كراكاس، بالاشتراك مع المناضل الأمين شفيق مفرج(1).
«عندما لقيته في مطار كراكاس في حزيران 1963 بادرته: أهلا برفيق الساعات الأولى. طوال وجودي في المغترب القسري(2) كان الرفيق القدوة إلى أن عاد إلى الوطن ولفظ أنفاسه تحت سمائه. في المغترب كان يعمل ويأكل ويشرب وينام قومياً اجتماعياً. كان شغله الشاغل البحث عن المؤهّلين لاعتناق العقيدة والانتماء للحزب، وقد أدخلتُ بواسطته لا أقلّ من عشرة رفقاء. أجل لقد أحب نقولا بردويل وطنه حتى الموت وناضل في سبيل القضية القومية الاجتماعية حتى آخر نفس من أنفاسه. يصعب أن نجد له مثيلاً».
بدوري عرفته مناضلاً ملتزماً عندما كان في كراكاس وكنت أتولى مسؤولية عميد شؤون عبر الحدود، واستمرّ بعد عودته إلى الوطن ذلك الرفيق المؤمن بصمت، المشعّ بالقدوة، الصادق الانتماء.
فماذا عنه؟
كان الرفيق نقولا، ابن حاصبيا، من أوائل الرفقاء الذين انتموا في جل الديب حيث كان يقطن. عن انتمائه يقول في رسالة من كراكاس في 25/7/1970 إنه كان يحضر الحلقات التي كان يعقدها الرفيق جورج عبد المسيح ويبحث فيها أموراً عامة تتعلق بالزراعة وما شابه. ذات يوم قصده فوجده في برمانا يستمع إلى محاضرة للدكتور خليل البتروني موضوعها «السوريون في المغتربات». عند انتهائها عادا معاً إلى بيت مري. «أخبرته عن نشاطي فسرّ به جداً ولكن أخذ هذه المرة يبحث معي شؤوناً بعيدة عن التي كان يطرحها عادة معي أو في زياراته إلى جل الديب. استغرقت هذه الأحاديث طوال الليل وامتدّت إلى بزوغ الفجر. افترقنا وأنا أحمل منه رسالة عنوانها: رأس بيروت، الأستاذ أنطون سعاده، مطعم جرجس حداد(3).
«أخذت الرسالة وبعد انتهاء عملي قصدت رأس بيروت أفتش عن مطعم حداد، إذ لم أكن أعرف أحداً هناك ـ دخلت المطعم فرأيت رجلاً كامل السن فسألته عن الأستاذ وعن موعد حضوره فطلب مني أن انتظره قليلاً. لم يمض أكثر من عشر دقائق حتى دخل علينا رجل، فأشار لي الرجل الأول بأنه هو الذي أسأل عنه. تقدّمت منه بكلّ احترام وعرضت عليه الرسالة مشترطاً أن يبرز لي هويته أولاً ففعل.
«ذهبنا معاً إلى الكوخ(4) حيث فضّ الرسالة وقرأها. راح يبحث معي عن عملي وعن شؤون تختصّ بمهنتي. طال الوقت إنما لم أشعر به وعندما غادرت المكان، كان الليل قد أرخى سدوله، فطلب مني أن أتردّد عليه كلما سنحت لي الفرص. وبعد اجتماعين فاتحني بأمر الحزب وضرب لي موعداً لإنهاء معاملة انتمائي.
حضرت في الأجل المضروب مساءً وكان نعمة ثابت، مأمون أياس، عمر اللبان حاضرين حفلة أداء القسم».
الأمين جبران جريج يفيد أنه، بانتماء الرفيق نقولا بردويل، أصبح في جل الديب عضوان هما الياس زينون، المعلم في مدرسة وقف الروم الأرثوذكس ونقولا بردويل، ما عدا نهاد حنا وميشال حجل اللذان انتميا في معهد البطريركية في بيروت، يضاف إليهم عضوان أدخلهما الياس زينون (من رومية) وهما نسيبه يوسف ضومط زينون ووكيل الوقف سليم سعد الله. وهناك عضو آخر انتمى على يد زينون هو وليم صعب (الشاعر) زميل الياس زينون في التعليم في مدرسة الوقف الأرثوذكسي. ويضيف الأمين جبران: عيّن نقولا بردويل مديراً لهذه المديرية ثم استقال ليفسح المجال للرفيق الياس زينون.
أول نقابة
والرفيق نقولا بردويل هو وراء تأسيس أول نقابة لصانعي الأحذية في لبنان وربما في الوطن السوري. يقول الأمين جبران إنه كان في زيارة إلى سعاده عندما التقى الرفيق بردويل. كان الرفيق نقولا يعرض لزعيم الحزب موضوع إنشاء نقابة للعاملين في صناعة الأحذية. عندما انتهى البحث أعلن لي الزعيم (الحديث للأمين جريج) أنّ الرفيق نقولا بردويل هو أول عضو في الحزب يرأس نقابة عمالية اسمها «نقابة صانعي الأحذية» التي هي بدورها أول نقابة من هذا النوع في البلاد».
حول هذا الشأن يوضح الرفيق نقولا بردويل أنّ الهيئة التي فازت بالانتخاب الرسمي على أثر الحصول على الرخصة القانونية كانت كما يلي: نقولا بردويل، نقيب، أنور منصور، نائب رئيس النقابة، محمد البواب، أمين صندوق، أنيس علامة، مستشار، أحمد تنير، جورج نعمة وآخرون.
الأمين عبدالله قبرصي بدوره يشرح كيف التقى الرفيق بردويل، ثم تولى الدفاع عن موقوفين من أعضاء النقابة فيقول: «ذات يوم من أيام ربيع 1935 كنت أصعد درج العدلية القديمة مستعجلاً، فإذا بالرفيق نقولا بردويل يلحق بي ويسلم عليّ السلام الحزبي السري فتوقفت ووضعت حقيبتي أرضاً وعانقته. قال لي أنّ رفقاء لنا من نقابة صانعي الأحذية موقوفون ومحالون أمام محكمة البداية المختلطة بموجب قانون قمع الجرائم، القرار 115 ل. ر. وأنّ الزعيم أرسله إليّ مع تكليف بالدفاع عنهم. اصطحبته إلى النيابة العامة واتخذنا الإجراءات القانونية لنتمكّن من تنفيذ المهمة. نفذتها ودافعت عنهم وحصلت على حكم ببراءتهم.
«منذ ذلك التاريخ لم تنقطع علاقاتي بالرفيق نقولا، فهو من المناضلين المثاليين».
ويختتم الأمين عبدالله كلامه بالقول: الرفيق نقولا بردويل جعل من بيته بيتاً للحزب. كان هذا البيت مركز إدخال ومركز ثوار ومضافة دائمة لكلّ طارق.
في الجزء الرابع من كتابه «من الجعبة» يفيد الأمين جبران جريج أنّ الوضع الحزبي المركزي عند ختام السنة الحزبية السادسة «كان في مرحلة انتقالية من العلنية السافرة إلى نوع يتراوح بين السرية وشبه السرية، وذلك بعد مؤتمر الاستعداد على إثر مغادرة الزعيم إلى المغتربات. ألغي مكتب جريدة «النهضة»، وانتقلت محتوياته إلى عهدة الرفيق عبد الرحمن عكاوي كما كانت محتويات مركز الحزب قد جمعت ووضبت في شنطتين كبيرتين نقلتهما إلى منزل الرفيق نقولا بردويل في الأشرفية الذي احتفظ بهما في مكان مجهول منا جميعاً».
وفي مكان آخر يفيد أنّ «مركز أعمال عمدة الداخلية كان في منزل الرفيق نقولا بردويل في شارع مار نقولا، الأشرفية، وفيه كانت تعقد اللقاءات الضرورية مع مسؤولي المناطق الوافدين إلى المركز أما بطلب منه أو لزيارة حزبية يقدمون فيه تقاريرهم عن الأوضاع الحزبية».
في الأربعينات، أسّس الرفق نقولا بردويل والأمين ولسن مجدلاني معملاً للأحذية، واتخذا مكاناً له في أول شارع المعرض، تجاه التياترو الكبير. هناك عمل الرفيق إبراهيم منتش، وكان خرج من مكان عمله يوم الثاني من تشرين الثاني عام 1945 ليسقط شهيداً في العراك الذي نشب يومئذ مع عناصر من الحزب الشيوعي، حيث سقط منهم إدوار شرتوني.
بطاقة هوية
– نقولا جرجس البردويل.
– مواليد حاصبيا عام 1890.
– الوالدة عليا من حاصبيا أيضاً.
– اقترن من الرفيقة مريم منذر من بلدة بجدرفل (البترون) وقد وافتها المنية عام 1952، فتولت أختها الرفيقة زينة تربية الأولاد، وقد توفيت في العام 1986.
– رزق من قرينته الرفيقة مريم بالأولاد التالية أسماؤهم:
جورج: رفيق، توفي في فنزويلا.
جوزف: رفيق، توفي في فنزويلا.
سهيل: رفيق، توفي في الوطن.
صلاح: مواطن صديق مقيم في الوطن.
غادر إلى فنزويلا في العام 1950 وعاد منها في 29 أيار 1973 واستقرّ في الزلقا.
توفي الرفيق نقولا في شباط العام 1975 بعد أن كان أصيب بسرطان الرئة فأقيم له مأتم حاشد في الزلقا حيث ألقى الأمين عبدالله قبرصي كلمة تأبينية بليغة أمام الكنيسة.
ملاحظات:
يورد الأمين جبران جريج في المجلد الأول «من الجعبة» أسماء رفقاء في منطقة الزلقا ـ جل الديب نذكرهم كما وردت أسماؤهم: يوسف ضومط زينون، جليل جرجس أبو جودة، ملحم ماضي أبو جودة وزوجته ليندا، جرجس طانيوس أبو جودة وزوجته ميليا، لويز زينون، إبراهيم أبو جودة، عبدو زينون.
لم تتبع مديرية جل الديب بعد إنشائها، منفذية المتن الأدنى، بل بقيت علاقتها مع بيروت وكان ضابط الارتباط الرفيق فكتور أسعد.
في الجزء الأول من مذكراته يفيد الأمين عبدالله قبرصي أنه في ربيع العام 1935 وبعد أن كان التقى أكثر من مرة مع معاون مفوض شرطة بيروت أسعد الأيوبي وأقنعه بالانتماء إلى الحزب اتفق مع الرفيق نقولا بردويل على أن يتمّ انتماء أسعد في جل الديب. وهناك بقيادة الرفيق نقولا وبعض الرفقاء ساروا بين البساتين تحت جنح الظلام إلى أن بلغوا منزلاً منفرداً حيث وجدوا ما يقارب الخمسة عشر رفيقاً. وهناك أقسم اليمين الرفيقان أسعد الأيوبي، بديع أحوش (الأمين لاحقاً) وآخرون.
تميّزت الرفيقة زينة المنذر شقيقة زوجة الرفيق نقولا، الرفيقة مريم، بنشاطها الحزبي. يفيد الرفيق ادمون حايك أن الرفيق جورج عبد المسيح أقام فترة من الوقت في منزل الرفيق نقولا عندما كان يقطن الأشرفية (محطة الشلفون، قرب الدفوني وتصوينة التويني) كانت المناشير الحزبية تطبع على الآلة الكاتبة، فتقوم الرفيقة زينة بتوزيعها.
كذلك كان لها نشاط واسع في الخمسينات بعد استشهاد سعاده، حيث كانت توزع البيانات الحزبية، وتوصلها إلى الرفقاء الأسرى.
كان يعتمد الإغراء المالي مع أبنائه كي يحفظوا القصائد والأناشيد الحزبية “إذا حفظتها إلك 10 قروش” كما يروي ابنه صلاح، فيحفظها.
لليوم بعده الدم عا شط الجناح
بكل حبة رمل طابع زوبعة
ومنها أيضاً:
نام يا معضاد(5)، منعم بالخلود
ذكر الشهيد بيبتدي بعد الممات
كل ما يغيب قومي من الوجود
بيهتز مجد خلود أبناء الحياة
هوامش:
1 ـ شفيق مفرج: من ضهور الشوير، ومن أبرز رفقائنا الذي نشطوا حزبياً في فنزويلا، تولى مسؤولية منفذ عام الحزب فيها، وكان تميّز بأخلاقه وصدقه وتفانيه.
2 ـ المغترب القسري: غادر الأمين عبدالله قبرصي إلى فنزويلا، بعد أن كان تمكن من الإفلات من قبضة السلطات الأمنية، بعد أشهر من حصول الثورة الانقلابية والوصول إلى عمّان.
3 ـ مطعم جرجس حداد: كان سعاده في أوائل الثلاثينات يقيم في غرفة مستأجرة في منزل السيد جريس حداد، في شارع جان دارك، رأس بيروت (والد الرفقاء فؤاد، يوسف وعفيفة) ويتردّد إلى المطعم الذي كان يملكه السيد جريس في شارع بلس، تجاه الجامعة الأميركية.
4 ـ الكوخ: أقام سعاده لاحقاً في منزل متواضع توافق الرفقاء على تسميته بـ «الكوخ».
5 ـ المقصود هو الرفيق المحامي أديب معضاد من بلدة بزبدين الذي كان رفيقاً جيداً، متنكّباً للمسؤوليات في المتن الأعلى، وكان أقيم له مأتم حاشد في بلدته.