هل يتعظ اللبنانيون من فاجعة الطفل ريان ليحموا أطفالهم من الموت المتربص بهم؟
} علي بدر الدين
رمت مأساة سقوط الطفل المغربي ريان (إبن الخمس سنوات) في بئر بعمق ٣٢ متراً في إحدى المناطق الريفية في المغرب، وخاتمة وفاته الحزينة والمؤلمة جداً بثقلها على العالم، وطغت على ما عداها من أحداث وفواجع، وحبست الأنفاس وكثرت الصلوات والابتهالات، ولم تفلح عمليات الإنقاذ السريعة والنوعية والمكثفة من أكثر من جهة عربية ودولية وجمعيات إنسانية، لانتشاله وهو على قيد الحياة، في ظلّ تعاطف شعبي وإنساني معه وعائلته، قلّ نظيره مع أية قضية أخرى مماثلة شهدها العالم أقله في العصر الحديث، حيث تتوالى الكوارث والمآسي والقتل المجاني لآلاف الأطفال، في حروب عبثية لا طائل منها، سوى تحقيق «أجندات» مشاريع سياسية وسيطرة ونفوذ ونهب منظم لثروات الشعوب وحقوقها، أو لمصالح خاصة أو لتكديس الأموال والإمساك بالسلطة، وهذا ما حصل ويحصل في أكثر من دولة حيث الأطفال يموتون يومياً من التشرّد والبرد والفقر والجوع والمرض وفقدان الدواء والاستشفاء وانعدام التعليم وتفشي الأمية والجهل، وبالرصاص والقذائف والصواريخ وعلى الطرقات وفي التظاهرات، وفي صراعات سياسية وطائفية ومذهبية وعنصرية ومناطقية، من أجل السلطة والمال، كما من الكيان الصهيوني الذي يحتلّ الأرض ويغتصب الحقوق ويرتكب الجرائم والمجازر بحق أطفال فلسطين ولبنان وسورية، ومن دول تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي تقتله بدم بارد تحت مسمّيات الحصار والعقوبات والحريات والسلام. وهي لم تأبه مرة للأطفال الأبرياء الذين يتحوّلون إلى ضحايا عنفها وصراعاتها وأطماعها، من دون أن ترأف بحالهم أو حتى تشفق عليهم، ولا تزال تمعن في سياساتها الرعناء القائمة على القتل وإبادة الشعوب، ولم تصغ لأنين الذين يتألمون ويصرخون من تحت أنقاض الركام والحطام التي دمّرتها طائراتها الحربية المتطورة ولا صواريخها «الذكية» التي تدكّ المدارس والمستشفيات ودور الأيتام وحضانات الأطفال، والأنكى أنها انتفضت فجأة، وصحت ضمائرها و»طاشت» إنسانيتها و»احترقت» قلوبها، من أجل الطفل الملائكي ريان، الذي سقط في بئر غويط لأنه كان يلعب لممارسة طفولته، لانعدام أماكن الترفيه واللهو المخصصة للأطفال، كما في دول العالم «المتحضّر» وبسبب التخلف والجهل، حيث تركت بئر بهذه الخطورة مكشوفة لتتحوّل الى فخ لكثير من الأطفال، ولسوء حظه دفع ريان حياته ثمناً لها.
«التعاطف» الدولي «الإنساني» الرسمي والأهلي مع ريان كان ضرورياً ومطلوباً وجيداً، وعدم حصوله يعني أنّ مزيداً من الكارثية ستنتظره البشرية، لأنّ كثيراً من الأطفال سيكونون على جدول الموت الفاجعي وبالطريقة الاستهتارية ذاتها التي كان ريان أحد ضحاياها.
السؤال الكبير الذي تفرضه الواقعة، هل يتعظ العالم دولاً وحكاماً وأنظمة حكم ومنظمات إنسانية رسمية وشعبية من مأساة موت هذا الطفل، وتراجع حساباتها وأجنداتها وسياساتها القاتلة وتضع حداً لجرائمها بحق الطفولة البريئة في أيّ بقعة من العالم المترامي، أم أنّ ما حصل بالنسبة لها كان مجرد حادث عبَر، وفورة زائدة وهبّة انتهى مفعولها مع دفنه تحت التراب؟
بالطبع فإنّ الدول والأنظمة الدكتاتورية الظالمة التي أبدت مثل هذا التعاطف، وساهمت في عملية الإنقاذ، لن تغيّر من نهجها الإبادي للدول والشعوب الفقيرة والمعدمة، وكلّ ما فعلته لا يعدو كونه مجرد مسايرة ومجاملة للتعاطف الشعبي العارم مع حدث استثنائي، ولإظهار نفسها أنها منقذة البشرية وضنينة بالأطفال وتحرص عليهم، كحرصها على أطفال شعوبها، وإذا كانت كذلك، فلتعلن للملأ وقفها لحروبها التي تشنّها مباشرة أو بالواسطة من خلال العقوبات والحصارات على الدول والشعوب الأخرى التي تقضي فيها على الأطفال وأحلامهم.
لا يظنن أحد أنه بعد مأساة الطفل ريان سيكون أفضل مما كان قبله، لأنّ الشر والقتل والسيطرة عناصر متأصّلة في سياساتها وتوجهاتها وأطماعها التي لا حدود لها.
في لبنان هذا البلد المنكوب الذي يعاني شعبه كثيراً ولا يزال، من تحكم طبقة سياسية ومالية فاسدة ومرتهنة لمصالحها وللسلطة والمال، وتحديداً أطفاله الذين يملأون الشوارع تسكعاً وتسوّلاً وتشرّداً، ويموتون من الصقيع والجوع والفقر والمرض الذي فتك ببعضهم، لأنهم يفتقدون إلى أدنى مقومات العيش والحياة البسيطة، كما إلى الدواء والاستشفاء حيث مات أطفال في الآونة الأخيرة على أبواب بعض المستشفيات أو على أسرّتهم في داخلها لأن لا قدرة لهم على دفع فاتورة العلاج العالية الكلفة، أو بسبب انعدام الدواء المخزّن والمحتكر من شركات الأدوية أو الصيدليات من أجل مكسب مالي، والآلاف من أطفال لبنان كانوا ضحايا حروب واشتباكات مسلحة، وقد تعدّدت أسباب موتهم والقاتل واحد، والمجرم واحد، وهو الذي لا هدف عنده سوى المصالح الخاصة وركوب السلطة والبقاء فيها، وجمع المال العام والخاص وكنزه والتلذذ به وتوريثه للخلف «الصالح»، وهو التاجر الجشع والمحتكر الشرير، والمتلاعب بسعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية هبوطاً وارتفاعاً، وهو الذي لا يعنيه وطنه ودولته وشعبه، ولا يقيم لهم وزناً ولا قيمة، و»دينه» فقط هو دولاراته ودنانيره وعقاراته، وتوريث أبنائه وأحفاده السلطة والنيابة والحصة والثروة، ومن بعدهم الطوفان.
هل هناك أمل بأن ينجو الشعب من هذا الطوفان الذي أغرقهم وجوّعهم وأذلّهم وقتلهم؟ ربما نعم وربما لا، لأنّ قرار النجاة بيده وحده دون سواه، والانتخابات النيابية الموعودة فرصة مؤاتية، فهل يحسن الاختيار ويقلب الطاولة ولو بالحدّ الأدنى المطلوب؟
وهل يتعظ من فاجعة الطفل ريان، ليحمي أطفاله من الموت المتربص بهم في الشوارع والبيوت والمستشفيات لحرمانهم من العلاج والدواء والغذاء…؟