لا يستويان!
يعرف كل متابع للقطاع الزراعيّ خلال عقود ماضية حقيقتين متلازمتين، الأولى أن زراعة الموز تمثل جزءاً حيوياً من القطاع الزراعي اللبناني وأن مزارعي الموز شريحة لبنانية واسعة تتجمع عندها الكثير من أوجه معاناة سائر شرائح العاملين في الزراعة، والثانية حجم الارتباط الدائم بين وضع هذا القطاع والعاملين فيه بفرص تسويقه في سورية.
طوال عقود تعود لثمانينيات القرن الماضي كانت القرارات الحكومية السورية النابعة من حسابات المصالح الزراعية والتموينية لسورية تدفع بالوزراء المعنيين لتسطير قرارات إدارية يترتب عليها وضع قيود على استيراد الموز اللبناني تسعيراً او كميات او طريقة سداد، أسوة بما يطبق في مجالات التعامل الأخرى مع سلع زراعية مستوردة.
طوال هذه العقود كانت مصالح المزارعين اللبنانيين تتحقق بفتح الأسواق السورية أمامها بشروط مناسبة مخالفة لما قدرته الإدارة السورية المعنية، بفعل تدخل الرئيس السوري وإصداره توجيهاً سياسياً للحكومة باستثناء الموز اللبناني المستورد من القواعد والمعايير المطبقة على سواه من السلع الزراعية المستوردة.
في الثمانينيات وفي أصعب مراحل المواجهة مع حكم الرئيس أمين الجميل، والقطيعة بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وجّه الرئيس الراحل حافظ الأسد بوضوح باعتبار دعم الموز اللبناني المستورد مساهمة سورية في دعم قطاع المزارعين الذين يشكلون بيئة حاضنة لمقاومة الاحتلال، بعد إطلاعه من الرئيس نبيه بري كرئيس لحركة أمل على جداول بيانية تظهر حجم تأثير كساد مواسم الموز على معيشة أبناء المناطق الساحلية في جنوب لبنان المحتل، وخطورة ان يؤدي ذلك الى تحويل بعضهم الى مادة استهداف اسرائيلية، من جهة، وحيوية السوق السورية تقليدياً بالنسبة لسوق الموز اللبناني من جهة أخرى.
منذ عام 2000 ومع تولي الرئيس بشار الأسد مسؤولية الرئاسة في سورية، تم تثبيت المعاملة الخاصة للموز اللبناني في الأسواق السورية، وعندما ساءت العلاقات الحكومية بين البلدين عام 2005 لم تتأثر القرارات السورية بذلك. ومنذ العام 2011 وبدء تراجع مقدرات الدولة السورية بالعملات الصعبة واتخاذ الحكومة قرارات كثيرة لترشيد الاستيراد، بدأت صعوبات جديدة تواجه تصدير الموز اللبناني الى سورية، وبعد تنامي العقوبات الأميركية والعربية والغربية على سورية وتراجع مخزون العملات الصعبة وضياع الودائع السورية في المصارف اللبنانية، واجهت أية محاولة سورية لمواصلة التعامل مع موردي الموز اللبناني تعقيدات استثنائية.
توجيه الرئيس بشار الأسد بالمعاملة الخاصة للموز اللبناني مرة أخرى، واستثناؤه من الكثير من المعايير المطبقة على الاستيراد، ليس قراراً عادياً، ويستحق ان ينظر اليه بعين خاصة، هي العين التي تدرك أن هذا القرار هو ذاته قرار تأمين الأوكسجين لمستشفيات لبنان خلال أزمة كورونا، تعبير عن معادلة نتقاسم لقمة الخبز معا ولو كنا تحت الحصار، بينما دول عربية غنية تحتار ماذا تفعل بفائض أموالها، وتستثمر في تنمية الاقتصاد الإسرائيلي، تتبجح يومياً بقصائد الحب للبنان، وتقفل أسواقها امام منتجاته بذريعة الخشية من التهريب الذي تؤكد كبريات الصحف العالمية أنه متجذر في أسواقها.
لا يستويان.