بعد 43 سنة من ثورة الاستقلال وثقافة الحياة وبناء القوة أميركا تكرّر الطلب من إيران تقاسم النفوذ في المنطقة
} خضر رسلان
نداء الإمام الخميني للثائرين «لا تهاجموا الجيش في صدره وإنما هاجموا قلبه واستهدفوا وجدانه. عليكم أن تناشدوا قلوبهم ولو فتحوا عليكم النار. وإذا أراد الجيش أن يطلق النار عليكم فلتعرّوا صدوركم، فدماء كلّ شهيد ناقوس يوقظ ألفا من الأحياء».
هذه هي ثقافة الحياة التي أرساها الإمام الخميني مستمداً فلسفته من المفاهيم الإسلامية التي لا تجيز لأحد مهما علا شأنه استباحة وهدر الدماء ويكاد ان يكون ذلك محصوراً في حق الدفاع عن النفس الذي تكفله كلّ الشرائع الإنسانية.
راهن الأميركيون على الوقت لاستيعاب الثورة تمهيداً لإسقاطها حيث قلب انتصارها الغير متوقع في الحسابات الدولية الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط حيث كانت إيران في عهد الشاه تعتبر «قطباً للاستقرار» في المنطقة وأحد أهمّ ركائز السياسة الأميركية إبان الحرب الباردة ضدّ الاتحاد السوفياتي، ولا تزال تأثيراتها ملموسة بعد 43 عاماً.
أصبحت الثورة الإسلامية مصدر إلهام لشعوب المنطقة بعد الإحباط التي أصابها اثر خروج مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني فكان بزوغ فجر الثورة الإيرانية مصدر أمل جديد للشعوب المستضعفة وخاصة من خلال المفاهيم الجذرية التي أطلقها الإمام الخميني حيث بادر بداية الى قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني الغاصب وفتح أول سفارة باسم فلسطين وتبني كامل لنضال الشعب الفلسطيني وإطلاق فاعلية يوم القدس العالمي واعتبار تحريرها واجب شرعي على كلّ أحرار العالم، ومن جهة ثانية كان شعار لا شرقية ولا غربية عنوان تحدّ وعنفوان لكسر التبعية التي كانت سائدة لأميركا والاتحاد السوفياتي سواء في السياسة او الاقتصاد وهذا الأمر يعدّ من أهمّ الإنجازات التي تحققت على الصعيد السياسي، فهو قطع التبعية وثبت استقلالية القرار السياسي بعيداً عن التكتلات والاصطفافات المتحالفة مع الغرب أو الشرق وقد حققت الثورة الإسلامية من خلال جهود أبنائها خلال العقود الأربعة الماضية إنجازات عديدة على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
وبعد 43 عاماً من اقتحام طلاب من أنصار الثورة الإسلامية مقر السفارة الأميركية في طهران (وكر الجواسيس كما وصفهم الثوار) الذين احتجزوا من كان فيها رهائن، لا تزال أحداث الرابع تشرين الثاني 1979، تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين حيث اقتنع الأميركيون انّ النظام الإيراني وقيادة الإمام الخميني أصبحت في المقلب المناوئ لذلك شرعوا بالعمل على إسقاط الدولة الإسلامية الفتية من خلال أمرين… الأول داخلي حيث عمد أتباع النظام البائد وجماعة خلق الى إثارة الفتن الداخلية بالتضامن والتكافل مع الغطاء الدولي لا سيما الأميركي والخليجي الذي منح لحاكم العراق صدام حسين الذي بادر بالهجوم والاعتداء على الجمهورية الإسلامية بغية إسقاطها، وترافق ذلك مع حصار مطبق طال كلّ مرافق الحياة فيها، وبعد ثماني سنوات خرجت إيران رغم عظيم التضحيات أكثر قوة وقدرة وثبات.
سنوات طويلة من الحصار والعقوبات قابلها عزم وصبر وعمل دؤوب استطاعت فيها إيران الانتقال من دولة لا حول لها ولا قوة الى دولة متقدّمة تزخر بالإنجازات العلمية والاقتصادية والنووية فارضة نفسها كدولة إقليمية عظمى، وأنها ليس فقط استطاعت إسقاط كلّ المؤامرات على الداخل الإيراني بل كان لها اليد الطولى في إسقاط الإرهاب التكفيري الذي أراد منظروه إلغاء كيانات الدول لا سيما في العراق وسورية ولبنان خدمة للكيان الصهيوني وأيضاً برز ولا يزال الدور الإيراني الداعم بقوة لحركات المقاومة وانتصاراتها في المنطقة لا سيما في فلسطين ولبنان.
ومع تنامي قدرات محور المقاومة وتوسع مداه الحيوي حتى باب المندب أصبحت الممرات المائية بمجملها تحت أعين وأذرع قوى المقاومة وانسجاماً مع مبدأ ريتشارد نيكسون القائل «اننا نحن الأميركيين لا نذهب إلى خارج الولايات المتحدة دفاعاً عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل نذهب إلى هناك لأننا لن نسمح بأن تمسّ مصالحنا الحيوية»، وتتمثل المصالح الاستراتيجية شرق أوسطياً في حماية النفط، والحفاظ على «إسرائيل» وحماية نفوذها في المنطقة، وحيث انه بعدما استطاعت إيران أن تصبح دولة نووية، ومع إدخال التقنيات الحديثة في الحروب من مسيّرات وصواريخ دقيقة بحيث يجعل مسألة الحفاظ على أمن الكيان الغاصب لا يستقيم إلا بالتفاهمات السياسية شرعت الولايات المتحدة الأميركية الى إعادة الكرة ومحاولة مدّ جسور التسوية السياسية مع إيران وذلك على هامش مناقشة الملف النووي حيث تجهد الولايات المتحدة بعدما يئست من ترويض الجمهورية الإسلامية الى طلب الحوار السياسي المباشر ولا مانع لديها من تقاسم النفوذ (وهذا المفهوم أميركي لا تقرّه الجمهورية الإسلامية) في منطقة الشرق الأوسط من اليمن الى لبنان، فالاستراتيجية الأميركية القائمة على الحفاظ على مصالحها الحيوية لا سيما في مجالي الطاقة والحدّ من انفلاش المارد الصيني فضلاً عن محاولة تقييد الدور الروسي تحقيق هذا الأمر لا يضير فيه إجراء التفاهمات مع الخصم الإيراني أو ربط النزاع معه ولو أدّى ذلك إلى الاستغناء عن كلّ الأدوات في المنطقة وخير مثال على ذلك ما جرى في كابول وغيرها من الأماكن…