في ذكرى رحيله: طلعت العبدالله حاضر رغم الغياب
} علي بدر الدين
تصادف يوم الأحد (13/2/2022) الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأديب والروائي طلعت العبدالله، الذي ترجّل عن صهوة حياته وهو في قمة عطائه وإبداعه ونتاجه الثقافي والمعرفي، ولم يسقط أو ينحنِ إلا لله سبحانه وتعالى، ولم تطوَ صفحاته العابقة بالخير والجرأة والإبداع، ولن تنسى الأمكنة التي له فيها حكايات كفاح ونجاح ومآثر طيبة، إنْ كان في لبنان او المغتربات، ولا الأزمنة التي لا تزال تسجّل نبضات قلبه وسموّ روحه وتوقّد فكره رغم غياب الجسد.
قيَم كثيرة ونوعية وأصيلة جسّدها الراحل في حضوره، ومستمرة في غيابه مع الخلف الصالح الذي ينضح بالثقة، ويثمر عطاءً لا ينضب، لأنّ الأبناء «سرّ أبيهم» و»من خلف ما مات»، ولأنّ طلعت العبدالله لم يكن شخصاً عادياً عبَر الدنيا، وانعدم حضوره، وجفّ نبعه، وأفل نجمه، وغابت شمسه، وانطفأ قنديله بعد رحيله، كان في حياته واحداً من عمالقة الأدب والفكر والثقافة والعلم والعمل، وسلاحه المعرفة والتسامح والإيمان والسلام، وما زال عملاقاً في مماته مشبعاً بزاد القيَم والتقوى وإرث الآباء والأجداد، وقد زرع الحب والصدق وكرم النفس وأنبت زرعه المؤصّل خيراً وفيراً، كمّاً ونوعاً، وعائلة وأبناء أصلاء كرماء ومقدّرين، انتهجوا دروب الصدق والحقّ والخير والوفاء، ولم يحيدوا عنها قيد أنملة.
طلعت العبدالله كان رائداً من روّاد الاغتراب، ومن كبار رموزه الناجحين في مجال الأعمال والتجارة والصناعة. هو أول من أطلق الأدب المهجري الأفريقي ووضع مدماكه وحوّله إلى العالمية بعدما كان غائباً منسياً، وأوّل من نثر بذرته وسقاها ونمّاها من مخزونه الثقافي والمعرفي والقِيَمي، وجسّده بإصدار روايات وقصص.
النتاج الأدبي الروائي النوعي للراحل الكبير، ليس وليد صدفة، أو مجرد هواية، وليست الغاية منه تسطير حكايات عن تجارب شخصية عبرت في حياته على مدى عقود من الغربة، ولم تكن للتباهي بنجاح أصابه في عالمي المال والأعمال في أفريقيا وفرنسا ولبنان، وحصد منهما، شهادات تقدير وجوائز عالمية مذهّبة من باريس 2005 وفرانكفورت 2009 وماسية في لندن 2011.
الهدف كان لتحفيز الشباب اللبناني المقيم والمغترب للعودة إلى الجذور، وتوجيه رسالة إنسانية وجدانية وأخلاقية معمّدة بالآلام والآمال، تحكي رحلة اللبناني وكفاحه المستمرّ، منذ بداياته الأولى في مغامرات الهجرة ومعاناتها وعذاباتها.
أراد لإبداعاته وتجاربه بنجاحاتها وإخفاقاتها، أن تحيا في متون الكتب، علّ الأجيال المتعاقبة التي تنشد الهجرة، تقتفي أثرها وتستفيد منها وهي تعبر جسور الجلجلة، وقد ترجمت بعض رواياته إلى اللغتين الانكليزية والفرنسية، واستحقّ على تميّزه فيها وفي أكثر من مجال وعمل، جوائز مذهّبة وماسية من دول أوروبية وأفريقية.
الكبار أمثال العبدالله لا يغادرون، لأنّ صفحاتهم الحافلة بالإنجازات ستبقى دائماً مفتوحة على نهج العطاء والإبداع والأصالة والكلمة الطيبة، وهم حاضرون دائماً في الحِلّ والترحال، في الذاكرة والوجدان وفي نبضات القلب وبين أشفار العيون وإنْ طال الغياب. إنهم القدوة والرمز والنبراس لكلّ اللبنانيين الحالمين بالعودة إلى هذا الوطن المنكوب، الذي ضاق بهم، فانتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، يدفعون باهظاً وهم يبحثون عن رزق مأمول أو مجهول، لمنع الوطن من الانهيار والسقوط، وحتى لا يجوع أهلهم، مع أنّ حيتان السياسة وغيلان السلطة والمال، سطوا على شقاء عمرهم وجنى تعب سنينهم أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية.
رحمك الله يا أستاذي، يا كبيراً من بلدي، أيها الصديق الطيب، الصادق، المؤمن والوفي، فقدك خسارة كبيرة لا تعوّض، لكنها حكمة الله في خلقه، نم قرير العين مطمئناً، سنتذكرك دائماً وأبداً في حلّنا وترحالنا، في صلواتنا وأدعيتنا، وفي كلّ خطوة مشيناها معاً، وفي كلّ جلسة جمعتنا في بلدتك الخيام، وفي الوزاني وفي كلّ مكان…