قطبة «الضمانات»…مسارات سياسية أم ساحة حرب؟
} فاديا مطر
مع بقاء خطوة واحدة نحو الاشتباك في شرق أوروبا بين روسيا والناتو، تتخذ الأوضاع مسارات متعددة في سياسات التراجع نحو خفض التصعيد مع المحافظة على سياق التشنج الذي تنتهجه واشنطن بأغلب معسكرها الراغب بتوريط كييف في أتون حرب ليس لها سوى مسارين لا ثالث لهما، وهما بقاء أوكرانيا في قلب خطط واشنطن أو الرجوع إلى ضفة السياسة، لأنّ موسكو قادرة على تنسيق الجبهة بطريقتها التي تراها مناسبة لمصالحها، لكن بقاء روسيا في المسار السياسي حتى اللحظة هو وقت إضافي لما رفضته واشنطن من قبول لمروحة الضمانات الروسية حول التمدّد الأطلسي نحو الشرق وعدم ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو الذي يتخذ شكلاً من التحدي باتجاه الفضاء السوفياتي بعد محاولات فشلت في كازاخستان بسرعة دراماتيكية والردّ الفعلي والتقني عليها من قبل قوات منظمة الأمن الجماعي التي أرسلت رسالة بالغة الأهمية لكلّ المعسكر المعادي…
فالتوتر الذي يستبقه الرئيس بوتين بخطوة يعمل على عدة أمور غير متسقة لجهة التشقق الأطلسي والأوروبي في جبهة اوكرانيا، ورفض الضمانات الروسية التي هي أساساً متبادلة وليست متفرّدة بقراراتها الجدية، لكن واشنطن تنفي قطبة تلك الضمانات ضمن أجندتها التصعيدية حتى على حساب استقرار أوكرانيا التي عمدت مؤخراً لبعض القراءات التي تنافس مساعي واشنطن مثلها كمثل فرنسا وألمانيا اللتين تسعيان لتبريد جبهة المواجهة التي إذا ما اندلعت لن تتوقف عند حدود أوكرانيا الشرقية وستتخطى دونباس وأمن أوروبا الشرقية إلى حيّز آخر لا يمكن الرجعة منه بسهولة، لخطوات الحرب الباردة التي توضح على نهايتها في شرق أوكرانيا الثمن، حيث لا تملك الأخيرة في مساراتها حلاً يمكنها من العودة إلى سياق السياسة التي رغب بتفعيلها الرئيس الفرنسي ماكرون بالتنسيق مع المنسق الألماني شولتس الذي يقرأ بذات الصدور، فالرئيس الروسي الذي أرسل رسائل جدية من زيارته للصين في أوائل الشهر الحالي بافتتاح دورة الألعاب الشتوية في بكين، والتي حدّدت الرغبة الروسية في جعل الأمن الأوروبي مشتركاً لا من طرف واحد يضمن أمن جماعي يرتكز على القبول بضمانات موسكو التي لا تزال تعتبر كلّ ذلك التصعيد العسكري في بولندا وأوكرانيا محط توتير عسكري يهدف لغايات سياسية، لكن تلك الاعتبارات ليست لمدة طويلة يمكن أن تلتزم بها موسكو ومعسكرها، لا بل زيارة الرئيس بوتين للصين وحدت الضمانات التي طالبت بها موسكو حلف الناتو وواشنطن لما يمكن لواشنطن أن تعطيه مقابل أمنها.
أمن أوروبا معها، فالضمانات الروسية التي رفضها الناتو بقلم واشنطن هي تشابه مع ما تسعى له الجمهورية الإسلامية في إيران في مفاوضات فيينا لإنجاح مفاوضات الملف النووي الذي تعتمد واشنطن تفريغه من الضمانات الملزمة التي تحدّد صيغة مشتركة تحت سقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة التي تعمل واشنطن على تحييدها خارج المشهد كما فعلت في الانسحاب عام ٢٠١٨ والتراجع الحاصل في معاهدات واشنطن الدولية، إلا أنّ رفض واشنطن لأيّ ضمانات مشتركة في الصيغة الدولية تعمد بها واشنطن توفير المسار السياسي مع حروبها الكثيرة مع عسكرتها الفعلية إنْ كان في الصراع مع الصين أو روسيا أو إيران أو شرق آسيا المشترك المصالح، فهي آلية التي تعمل عليها واشنطن بكامل حلفها المجزأ لبقاء التزوير سيد الموقف الدولي لتعويض فقدان مكانتها الدولية صورتها وقدرتها التي تعلم واشنطن أنها ضعفت في الكثير من المواقع بدءاً من اليمن ووصولاً إلى سورية وليس انتهاءً بالعراق، فأيّ القطب تعمل عليها واشنطن بعد قطبة الضمانات الروسية والإيرانية والصينية التي لا تزال تلزم واشنطن بموقف دولي يضع حدوداً لا تقبل المساس بسلطة فقدانها التفرّد الدولي وخسارة القطب الواحد؟!