الحرب الروسية الأوكرانية وإضعاف اليورو ثم تفكيك الاتحاد الأوروبي…
} علي عباس حمية
العالم أجمع مشغول في إمكانية حصول تلك الحرب التي خلص في تحليلاتها الباحثون والاستراتيجيون والعسكريون على أنها حاصلة وستؤثر على الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي في العالم، وهذا صحيح، ولكن التنظير في مكان وواقع ما يجري في مكان آخر. وإنني أعتقد أنها لن تحصل بشكل مباشر ولكن عن طريق الحصار والتسويات، فالظاهر هو أوكرانيا والباطن هو الاتحاد الأوروبي واليورو.
الموضوع الأساسي هو حرب العملات والطاقة وتعديل الأحلاف، وهي مبدئياً بدأت بين اليورو والدولار واليوان، وأحلاف التنوع، حلف أوكوس أو الانجلوسكسون وحلف الناتو الذي تقوم أميركا بإضعافه لصالح حلفها الجديد من جهة وحلف منظمة شنغهاي من جهة أخرى، والحرب تنقسم إلى ثلاثة فروع… مالياً واقتصادياً يتمثل بـ دولار يورو يوان، ثم عسكرياً ـ روسيا أوروبا أميركا، وأخيراً طاقة… كذلك تضمن روسيا أوروبا أميركا الصين والشرق الأوسط، إضافة إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط. ولبنان في قلب العاصفة، والاهتمام به غير المسبوق، أولاً بحره العائم على النفط والغاز بكميات تفوق كلّ تصوّر، ومحاولة ترهيبه بالعقوبات الشخصية والتحالفات السياسية والانتخابات النيابية لتمرير صفقات جانبية مع جهات لبنانية طامحة بالحكم حتى ولو حساب جوع الناس وحدود لبنان والتنازل عن حدودنا البحرية المتمثلة بالخط 29 المعترف بها عالمياً وإجبارها على القبول بالنقطة 23 دون منازلة وجدال، حيث أنّ المفاوض الأميركي سيفاوض على النقطة 23 وحقل قانا بخط حدود متعرّج ليفرض علينا خطاً جديداً دون النقطة 23 ونقطة برية محتلة لمسافة 28 متراً شمال رأس الناقورة لتكون خسارتنا برا وبحرا.
من هنا نرى أنه لا يمكن فصل حرب الطاقة في العالم عما يجري في أوكرانيا وما يجري في لبنان.
وعليه، فإنّ كلّ المعادلات تتوسطها أوروبا، فماذا لو وقعت الحرب الروسية الأوكرانية؟ وماذا لو انتصرت روسيا؟ ولكن، ماذا لو انهزمت روسيا على أعتاب أوكرانيا كما حصل مع إحدى الدول الاسكندنافية سابقاً؟
كلّ الاحتمالات واردة، ولكن الاحتمال الأقوى يكمن بالمعادلة الروسية الأميركية العسكرية ومصلحة كلّ منهما بالمال الأوروبي وتقسيم النفوذ فيها، ولربما تكون جائزة روسيا بنفوذ في أوكرانيا مقابل التخلي عن التحالف الشنغهايي مع الصيني والإيراني، ولكن بنفس الوقت فإنّ أميركا تحاول جرّ روسيا إلى الحرب الاوكرانية المدعومة من أوروبا وهي في قلبها وبتأثير جيواستراتيجي مباشر عليها، فالخاسر الأكبر في الحرب بعد روسيا وأوكرانيا هي أوروبا ولربما المساندة المالية الصينية لحليفتها روسيا تجعلها في ورطة إذا ما طال أمد الحرب، وبالتالي تكون أميركا وحلفها الجديد قد اصطادوا سرب العصافير كله بحجر واحد.
لربما كما سيحصل لوباء كورونا بأن نستيقظ صباحاً ليقولوا لنا بأنّ ذلك الوباء موجود ولكن تمّ تضخيمه أكثر مما ينبغي، ولكن ربطاً بالواقع الحربي فقد نستفيق يوماً لنرى أنّ اليورو لا يساوي سنتاً واحداً من العملة الأميركية، وهذا من ضمن الحرب الأميركية الخفية على اليورو، ولكن من لا يعلم بأنّ تقسيم الأولويات في الدولة العميقة الأميركية تبدأ من الدولار قبل الاقتصاد العادي ومن ثم بالقوة العسكرية وتتوّجها بالسياسة وحبك المؤامرات العالمية، وقطف ثمرات الغلال دون تعب يذكر، كما حصل بالحرب العالمية الثانية وغيرها من الحروب فإنها لو خسرت معركة فإنها تعاود استثمار خسارتها بسياسة فرض الدولار والفساد في الدول ومحاربة الفاسدين في آن معاً، ومن ثم حياكة المؤامرات الداخلية بحجج حقوق الإنسان والفقر مع يقين الجميع بأنها هي وراء حصارهم وتجويعهم، وبالتالي سياسة الدولار أقوى سياسات أميركا نفوذاً بالعالم وقبل قوتها العسكرية.
إذاً، لن تسمح بنفوذ اليورو، الذي تلتفّ عليه دول أوروبية منها القوية اقتصادياً والكثير منها ضعيف، كما لن تسمح أميركا بأن يتخطى اليورو قوة ونفوذ الدولار، وقد رأينا بأن الولايات المتحدة الأميركية قد دمّرت دولا مثل ليبيا والعراق بعد ان كانت تتلاعب بهم حتى إعلانهما تغيّر عملة التبادل التجاري العالمي ليكون باليورو مما استدعى الضربة القاضية عليهما.
وعليه انّ المنافس الاول للولايات المتحدة الأميركية هو اليورو واليوان، والمنافس العسكري روسيا والمنافس الأمني إيران، وما كان إعلان أميركا انسحابها الكاذب من أفغانستان إلا لإيهام خصومها بضعفها كما يفعل الثعلب بفريسته.
من لا يفهم عقل السياسة الأميركية فهو جاهل، الصين قوة اقتصادية وروسيا قوة عسكرية وأوروبا قوة تجارية ومالية وإيران قوة أمنية، ولكن الإمبراطورية الأميركية تجمع بين كلّ تلك الصفات. إذا أردت أن تهزم أميركا عليك فهم تفكيرها. وهي تقوم بإلهاء روسيا وأوروبا في الحرب المزعومة في أوكرانيا، وتغازل إيران بأمن الشرق الأوسط ورفع العقوبات وتحاور الصين باللين حيناً وبالشدة أكثر الأحيان.
في الملخص تقوم أميركا بمحاولات تفكيك كلّ تحالفات العالم لتبقى في المقدمة، وأعتقد بأنّ التسوية مع روسيا والصين وأوروبا هي بأن يبقى الدولار سيد الاقتصاد العالمي وإلا…