هل حقق الأميركي أهدافه الاستراتيجية في سورية؟
} هشام الهبيشان
قبل عشرة أعوام، اختارت أميركا، بالشراكة مع بعض أدواتها الإقليمية، وخصوصاً الكيان الصهيوني، سورية لتكون المرحلة الثالثة لاستكمال مشروعها الهادف إلى ضربها وإسقاط محور الممانعة في المنطقة، إنّ حرب أميركا التي تحكمها وتديرها لليوم الجماعات المتصهينة النافذة فيها هي حرب طويلة لا تتوقف عند حدود سورية، ليس أولها احتلال فلسطين وإسقاط العراق، ولن يكون آخرها الحرب المعلنة على قوى المقاومة، ففي الجعبة الأميركية الكثير من الخطط المرسومة لهذه البقعة من العالم، لكنّ الرؤية الأميركية تعتمد على إسقاط هدف تلو الآخر بالاعتماد، نوعاً ما، على نظرية أحجار الدومينو، ولكن الواضح اليوم، أنّ هذا المشروع وتلك الرؤية أصيبا بضربة قاصمة في الميدان السوري .
ما يهمّنا من كلّ هذا هو أنّ سورية استطاعت خلال هذه المرحلة وبعد مرور أكثر من عشرة أعوام على الحرب الكونية عليها، أن تستوعب الضربة الأقوى من أميركا وحلفائها وهي الأكثر صعوبة خلال هذه الحرب المفروضة عليها، وهي ضربة كانت متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول وذات أوجه وأهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرة الدمشقية الصامدة، أجبر الصمود السوري بعض الشركاء في الحرب على سورية على الاستدارة في شكل كبير في مواقفهم وجعلهم يقدمون مجموعة بالونات اختبار للسوريين. في هذه المرحلة تحديداً يطلّ علينا يومياً مسؤولون وساسة وجنرالات غربيون وإقليميون، يتحدثون عن تعاظم قوة الدولة السورية بعد مراهنتهم على إسقاطها سريعاً، فالقوى المتآمرة على الدولة السورية بدأت تقرّ سرّاً وعلناً في هذه المرحلة، بأنّ سورية 2013 إلى 2015 تحديداً، ليست كسورية عام 2022 وما بعد، بعدما أيقنت أنّها في أفضل حال رغم ما تعرّضت له من أعمال تدمير وتخريب وجرائم ارتكبت في حقّ شعبها، وتخشى تلك القوى لأنّ سورية تسير في طريق واضح المعالم لتكوِّن محوراً جديداً في هذه المنطقة.
ومن هنا، فإنّ معظم القوى الدولية التي شاركت في الحرب على الدولة السورية أدركت أنّ جميع حصون وقلاع «المعارضة المعتدلة» حسب تصنيفها «وإرهابية حسب تصنيفنا المنطقي والواقعي»، أداتها لإشعال فتيل هذه الحرب، قد انهارت بمعظمها، وأنّ نسبة كبيرة من الشعب العربي السوري باتت تبتعد كلياً عن أجندتها، بعد أن أدركت أنها كانت ضحية لمؤامرة قذرة تستهدف سورية كلّ سورية، بشعبها ومقوماتها وتاريخها وحضارتها.
وهنا يجب أن لا ننكر أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت رأس الحربة في استهداف سورية، وقد ساهمت في شكل كبير في التحضير للمؤامرة عليها وفي دعم أعدائها وخصوصاً التنظيمات الإرهابية التي تدّعي أنها تحاربها عبر التحالف الكاذب الذي تقوده، وقد حالت حكمة القيادة السورية والعقلاء من السوريين الوطنيين الحريصين على وحدة بلادهم والواعين خطورة المؤامرة عليها، وقوة وتماسك الجيش العربي السوري، ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية لسورية مع روسيا وايران وقوى المقاومة، دون تحقيق القوى المعادية أهدافها وأجندتها التقسيمية الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى والصراعات.
في هذه المرحلة لا يمكن إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب تخسر أميركا ومعها حلفاؤها أكثر مما تخسر سورية، ويدرك الأميركيون هذه الحقيقة ويعرفون أنّ هزيمتهم ستكون لها جملة تداعيات، فأميركا اليوم مجبرة على الاستمرار في حربها على سورية إلى أمد معيّن، ولكن لن يطول هذا الأمد، هي اليوم تقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة في سورية، أو الاستدارة في شكل كامل نحو التفاوض العلني مع الدولة السورية. وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى عشرة أعوام قد وضع أميركا في أزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك في سياستها الخارجية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية تطيح بكلّ المشاريع الصهيو أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة ليقام على أنقاضها مشروع دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، حسب المشروع الأميركي.
إنّ صمود سورية هو الضربة الأولى لإسقاط هذا المشروع الذي يستهدف المنطقة كلها، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وحلفائهم اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل التداعيات.