سقطت أهميّة الانتخابات المفصليّة
ناصر قنديل
– سيبقى الاستحقاق الانتخابي المقبل مفصلياً بانتظار تظهير نتائجه، وحسم الأوهام حول الرهانات، طالما لم يعد ممكناً عند الذي جعلها أم المعارك التموضع أو التراجع وفتح طريق تأجيلها. فأهميّة الانتخابات تكمن اليوم في كونها ستكشف عدم أهميتها، وأهمية المشاركة فيها نابعة من هذه الزاوية تحديداً، لأن الحجم الذي تم إعطاؤه لأهمية هذه الانتخابات كفرصة لنزع الشرعية الشعبية عن المقاومة، وقد بدأ هذا التوجه مع كلام الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان، بعد شهر على انتفاضة 17 تشرين 2019 بالدعوة لجعلها فرصة لتحقيق ما لم يتمّ تحقيقه في حركة 14 آذار، عبر توظيفها انتخابياً، عبر انتخابات مبكرة او في موعدها، لإضعاف المقاومة وحلفائها في الانتخابات. ومنذ ذلك التاريخ والحلف الذي تقوده واشنطن ينفق مئات ملايين الدولارات لتحقيق هذا الهدف، ولم يعد بإمكانه اليوم لا الانقلاب على دعوته، ولا التراجع عن أهدافها، ولا التهرّب من دفع فواتير الهزيمة التي تلوح في الأفق بنتيجتها على مشروعه واستثماراته المالية والسياسية والإعلامية. فصار هدف كل من يقف على ضفة مقابلة محكوماً بثقل ما يمثله الأميركيون والخليجيون ومن معهم مالاً وإعلاماً، ليجعل هدفه مسقوفاً بالتصدّي للعنوان المرسوم باستهدافه عبر الانتخابات، بعدما كانت الانتخابات فرصة موضوعيّة هادئة لاستكشاف نتائج التغييرات التي فرضتها انتفاضة 17 تشرين على الأوزان السياسيّة والخريطة الشعبيّة، وبعدما كانت الانتخابات مهمة بذاتها بصفتها مناسبة لإعادة إنتاج شرعية الدولة التي تحتاج الى هذا التجديد بعد تهالك هيبتها وصورتها، وتعرّضت الصفة التمثيليّة لمكوّناتها للطعن في الشارع من مئات آلاف اللبنانيين.
– قد يُنكر الكثيرون من المستنفَرين لخوض معركة التغيير الموعودة منذ خطاب فيلتمان الشهير، أي كلام عن أن نتائجها باتت محسومة ضد ما يعلنونه عنواناً لاستعداداتهم للمعركة الانتخابية، لأن من ضرورات تحقيق أعلى الأرقام الانتخابيّة وجعل الهزيمة مشرّفة لا مدوية وفاضحة، شحذ الهمم ورفع المعنويات والادعاء بأن الهدف المنشود لا زال ممكناً، بل ربما يقولون إنه مضمون التحقيق، لكن ذلك لا يغير حقيقة ما يعرفه جيداً كل المتابعين للإحصاءات الانتخابية المتعددة المصادر، عن حجم الفجيعة التي يتلقاها كل الذين كانت تراهن عليهم السفارة الأميركية والسفارات الخليجية، التي تقول إن الحصان الأبيض لجبهتهم الذي تمثله القوات اللبنانية، بعدما كان الترويج لفرضيّة نيلها 20 مقعداً كحد أدنى لم يثبت منها إلا 10 مقاعد فقط، وهناك ثلاثة إضافيّة مشكوك بتأمينها، وإن الحزب التقدمي الإتشراكي الذي يتم السعي لضبط أدائه تحت سقف المشروع المناوئ للمقاومة، سينخفض تمثيله حكماً بحد أدنى ثلاثة مقاعد وقد تصبح خسارته خمسة مقاعد، بينما حجم ما سيجنيه مرشحو ما يسمّى بالمعارضة والمجتمع المدني ومنهم ضمناً حزب الكتائب لا يتعدّى 20 مقعداً، منها عشرة مقاعد كانت لنواب سابقين، فيكون الحاصل الإجمالي بين حدّي 35 و45 مقعداً، أي أن الثلث المعطل الذي يضمن القدرة على التأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليس محققاً، ويشكل سقف الهدف الممكن تحقيقه، بعدما كان الأمل والرهان هو الفوز بالأغلبية النيابية.
– على الضفة التي تشكل جبهة حلفاء المقاومة، تقول الإحصاءات إن السقف الذي سيسعى خصوم المقاومة لنيله هو أقل من الحد الأدنى المضمون تحقيقه، حيث سيضمن ثنائي حركة أمل وحزب الله الحجم النيابي ذاته، وسيكون مجموع ما يناله حلفاء المقاومة في اللقاء التشاوري وتيار المردة والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، يزيد عن عشرين مقعداً، بحيث ينطلق التحالف العريض من 55 مقعداً، أي بزيادة 20 مقعداً عن خصومه، وأن عدداً يتراوح بين 10 و20 مقعداً ستكون موضوع منافسة، وعدداً مشابهاً بين 10 و20 مقعداً ستنالها كتل صغيرة وسطية تشبه مرشحي تيار المستقبل المنفردين، وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي، وأن جبهة حلفاء المقاومة التي تضمن شراكتها المؤكدة في الاستحقاق الرئاسي بجعل الثلث تحصيل حاصل، هي الطرف الوحيد الذي يمكن له أن يحقق أغلبية نيابية، اذا كان ممكناً لطرف نيل الأغلبية، وأنه اذا لم ينل حلفاء المقاومة الأغلبية فالأكيد أن خصوم المقاومة لن ينالوها.
– أهمية الانتخابات تكمن هنا في أنها ستكون مناسبة، وفقاً للعنوان الذي اختاره الأميركيون وحلفاؤهم للانتخابات، وتحددت أهمية الانتخابات بسببها وعلى أساسها، أن الانتخابات ليس مهمة، بقول كلمة، لن تنالوها.