رسائل مشفّرة في الطائرة المسيّرة
ناصر قنديل
– أعلن حزب الله في بيان أنه “بتاريخ اليوم الجمعة الواقع فيه 18-2-2022 أطلقت المقاومة الإسلامية الطائرة المسيّرة “حسّان” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة أربعين دقيقة في مهمة استطلاعيّة امتدّت على طول سبعين كيلومتراً شمال فلسطين المحتلة، وبالرغم من كل محاولات العدو المتعدّدة والمتتالية لإسقاطها عادت الطائرة “حسّان” من الأراضي المحتلة سالمة بعد أن نفّذت المهمة المطلوبة بنجاح ودون أن تؤثر على حركتها كل إجراءات العدو الموجودة والمتبعة”.
– الرسالة الأولى أن سلاح الطيران لدى المقاومة الإسلامية يخلد اسم أحد مؤسسيه البارزين الذي اغتالته مخابرات جيش كيان الاحتلال، هو الشهيد حسان اللقيس، ويقول إن اغتيال اللقيس بهدف وضع حد لتقدم هذا السلاح وتطوّره لم يفلح، وفشل في تحقيق أهدافه، والدليل هو هذا الاختراق المميز، لجهة الدقة والنجاح والإرباك الذي سبّبه لجيش الاحتلال وأفشل عبره كل إجراءات التتبع والمراقبة ومحاولات إسقاط الطائرة، رغم استخدام جيش الاحتلال كل التقنيات التي يملكها من رادات للمراقبة وقبة حديدية وطيران حربي وطيران المروحيات، وبالحصيلة طائرة المقاومة تنفذ المهمة وتعود الى قواعدها سالمة، فالاغتيال فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه بمقدار ما نجحت الطائرة في تحقيق أهدافها، وبقدر ما فشل الاحتلال في تتبعها وإسقاطها.
– الرسالة الثانية، أن طائرة المقاومة نفذت مهمة استطلاعية داخل فلسطين المحتلة، وجالت في المنطقة المستهدفة، وطالما أن أجواء لبنان مستباحة أمام المهام الاستطلاعيّة لطيران جيش الاحتلال، فالمقاومة التي فعّلت شبكات دفاعها الجوي لإسقاط الطائرات المسيّرة التي يرسلها الاحتلال، وسعت مفهوم توازن الردع، باقتحام الأجواء في فلسطين المحتلة، ومقابلة الجولات الاستطلاعيّة بالجولات الاستطلاعيّة.
– الرسالة الثالثة، أن الطائرة نفّذت مهمتها بعمق سبعين كيلومتراً شمال فلسطين المحتلة خلال أربعين دقيقة، أي أنها في الذهاب والإياب والمناورة تملّصت من الرادارات والصواريخ والطائرات، إضافة للمسافة التي قطعتها ذهاباً وإياباً من نقطة الانطلاق المجهولة الى الحدود، لأن مسافة الـ 70 كلم هي العمق داخل فلسطين المحتلة، فهي بالتأكيد قطعت كحد أدنى مسافة تزيد عن 140 كيلومتراً، وهي حكماً احتاجت لقطع قرابة الـ 200 كلم الى 300 كلم في الـ 40 دقيقة، وبالتالي كانت تسير كحد أدنى بسرعة تزيد عن 210 كلم في الساعة، ما لم نقل 300 كلم في الساعة أو 500 كلم في الساعة، وسرعة الـ 200 كلم في الساعة هي الحد الأقصى المفترض لطائرة بيرقدار التركيّة الشهيرة، وللطائرات المسيّرة التي تنتجها إيران وفقاً للمراجع المعتمدة في هذا المجال من قبل الغرب و”إسرائيل”، وتلك التي يستخدمها أنصار الله وفقاً للمعلومات التي ينشرها خبراء الخليج والغرب عن قدرات هذه الطائرات، فليدرس قادة جيش الاحتلال جيداً معاني هذه الرسالة وهي تكشف بالتأكيد جيلاً تملك المقاومة على الأقل ثلاثة أجيال أشدّ تقدماً منه، كما تقول تجربتها.
الرسالة الرابعة أن عمق الـ 70 كلم الذي استكشفته الطائرة، وغير المحدّد الوجهة غرباً وشرقاً، يشمل ما يُعرف بالعمق الاستراتيجي في كيان الاحتلال، أو كل الجبهة الشمالية كما يسمّيها أركان جيش الاحتلال، الذي يعرف ماهية ونوعية المواقع المنتشرة فيها والتي وقعت تحت أنظار رصد المقاومة عبر رحلة هذه الطائرة، وعليه أن يحلل ويستنتج تداعيات ما قامت به الطائرة، وهل لذلك علاقة بالتوقيت لاستطلاع نشاط معين أو حركة معينة، أم هو استطلاع عام لمواقع ومعدّات ومنشآت ثابتة، لكن عمق الـ 70 كلم لم يرد لمجرد لفت النظر لسرعة الطائرة، لأن ذلك كان يمكن تحقيقه بالإشارة الأوضح للمسافة التي قطعتها الطائرة ذهاباً وإياباً، والتي يفترض أن تكون تجاوزت الـ 300 كلم.
– الرسالة الخامسة أنه بالرغم من كل المحاولات المتعدّدة والمتتالية، وربما المصوّرة، أنجزت الطائرة مهمتها وعادت سالمة، وهنا بمفهوم ميزان القوى الذي كان محققاً لنوع من التوازن بين المقاومة وجيش الاحتلال، لا يقارن ما تنجزه المقاومة في هذا المجال بما كان ينجزه جيش الاحتلال. فالطائرات المسيّرة والطيران الحربي لديه وعائداتهما بالمعلومات والقدرة النارية، جزء من ميزان القوى الذي حقق التوازن، وعندما تضيف المقاومة في رصيدها قدرة جمع المعلومات الاستخبارية بصورة روتينيّة من داخل فلسطين المحتلة، فهذا سلاح كاسر للتوازن، لأن المقاومة بنت كل جهوزيّتها وهي تضع في حسابها قدرات العدو الجويّة، بينما بنى الكيان كل مقدراته ومنشآته وهو يعتبر تفوّقه الجويّ أبدياً، بمثل ما جعل شمال فلسطين قاعدة لأغلب هذه المنشآت لبعدها عن الجبهات التي كانت مشتعلة مع مصر وسورية والأردن، ولاستهتاره بما يمكن للبنان أن يمثله عسكرياً من خطر.
– الهمروجة الداخلية الاحتجاجيّة بصراخ وضجيج، لا تستحق النقاش، لأنها تعبّر فقط عن حجم الوجع الإسرائيلي، الذي صار فوراً وجعاً أميركياً خليجياً بحكم درجة القربى، وتحوّل بسبب معادلة حليف حليفي حليفي إلى وجع لدى بعض اللبنانيين، فوصلت الرسالة السادسة، أن كيان الاحتلال أصيب إصابة موجعة.