أيّ أمل مرتجى من الوسيط الأميركيّ فيما «إسرائيل» تستعدّ للتنقيب في كاريش!؟
د. عدنان منصور _
ما الذي سيحمله الى لبنان في الأيام المقبلة المبعوث الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان «الإسرائيلي» آموس هوكشتاين، لا سيما أنّ واشنطن وتل أبيب تريدان التوصل في أسرع وقت الى حلّ يتطابق مع الطرح الأميركي ـ «الإسرائيلي» في هذا الشأن.
«إسرائيل» على عجلة من أمرها في التوصل الى حلّ مع الجانب اللبناني، قبل آخر شهر شباط الحالي، لكونها تستعدّ مع مطلع شهر آذار المقبل، كما هو مخطط، للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية المتنازع عليها في بحر كاريش، وهي بذلك تريد أن تتجنب وتستبق أيّ ردّ فعل لبناني على التنقيب «الإسرائيلي» قبل ايّ اتفاق معه.
على الرغم من أنّ «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة، على عجلة من أمرها لإجراء الترسيم، فهي وبكلّ تأكيد، لن تقبل بأيّ شكل من الأشكال البحث في نقطة الترسيم 29، او وضعها على جدول الأعمال أثناء المفاوضات غير المباشرة مع لبنان. خاصة أنها حتى الآن، لا تزال تستمر في سياسة الابتزاز التي تتبعها حيال لبنان، من خلال تمسكها بالنقطة 1، والمساومة على نقطة الترسيم 23، حيث تطالب «إسرائيل» بالمساحة المثلثة الأضلع التي تعود أصلاً إلى المنطقة الحصرية للبنان والبالغة مساحتها 860 كلم2.
الوسيط الأميركي السابق فريدريك هوف أراد حلّ المشكلة على حساب لبنان، وذلك، بإعطاء «إسرائيل» حوالي 340 كلم2، ولبنان 520 كلم٢، وهذا يعني أنّ الأميركي الذي يأخذ بالاعتبار مصالح «إسرائيل» في الدرجة الأولى، تجاهل حقوق لبنان، وحدود المنطقة الاقتصادية الحصرية العائدة له، رغم أنّ الترسيم اللبناني جاء استناداً إلى قانون البحار، ووفقاً لمبادئ القانون الدولي في هذا المجال.
لا شك في أنّ الوسيط الأميركي يعرف جيداً في قرارة نفسه، وقبل غيره، أنّ ما يطالب به لبنان، هو حقّ قانونيّ وشرعيّ، لكن بالنسبة لواشنطن، فإنّ هذا الحق شيء والسياسة الأميركية تجاه «إسرائيل» شيء آخر. وإذا كان غير وارد بالمطلق بالنسبة لـ «إسرائيل» التفاوض على النقطة 29، فإنّ وقوف واشنطن نظرياً «كوسيط»، وعملياً كداعم فعلي لـ «إسرائيل»، سيشجع العدو على التمسك بمطالبه، والتصلب في مواقفه أكثر فأكثر أثناء إجراء المحادثات والمفاوضات غير المباشرة، ويدفعه للعمل من أجل سلخ منطقة بحريّة عائدة الى لبنان، التي هي جزء لا يتجزأ من منطقته الاقتصادية الحصرية.
المبعوث الأميركي الوسيط هوكشتاين، لا يستطيع أن يُملي على «إسرائيل» ما لا تريده أو ترفضه، أو تتحفظ عليه، وهي التي لا تعترف أصلاً بحقوق لبنان البحرية كاملة، المستندة الى القانون الدولي، وقانون البحار، ولا يأخذ أيضاً بنماذج الترسيم البحري ذات الصلة التي تمّت بين الدول الأخرى، بمقدار ما يأخذ بوجهة نظر «إسرائيل»، ويدعمها ويقف الى جانبها عند الحاجة. كما أنّ الولايات المتحدة في مطلق الأحوال، لن تُحرج، ولن تُغضب الحليف الدائم للولايات المتحدة، نظراً لما لديه من تأثير كبير ونفوذ متشعّب، ومتجذر داخل الادارة الأميركية وخارجها. فهي آثرت الوقوف دوماً الى جانبه، وتأييده بكلّ قوة دون ضوابط، ودعم مصالحه، حتى وإنْ كانت إجراءاته، وممارساته الاستفزازية على الأرض، تتعارض كلياً مع مبادئ الأمم المتحدة، والقوانين الدولية.
لبنان المفاوض لا حيلة له، فهو لا يمكن له التراجع عن النقطة 29 التي ألزم نفسه فيها، بموجب الكتاب الذي وجّهه رئيس الجمهورية في هذا الشأن، وأودع في الأمم المتحدة. وأنّ ايّ تراجع من قبل المسؤولين عن النقطة التي اعتمدها لبنان، ودافع عنها عملاً بالقانون الدولي، ووفقاً لقانون البحار، سيُعتبر انتكاسة كبيرة، وتراجعاً واضحاً، سيطرح في ما بعد داخل البلد علامات استفهام كثيرة. إذ أنّ أيّ تخلّ عن حقوق لبنان، سيولد في ما بعد، وبكلّ تأكيد، تباينات وخلافات، وردود فعل داخلية عنيفة من هنا وهناك، ستكون لها تداعياتها الخطيرة على الساحة اللبنانية. وستأخذ أبعاداً متباينة بين مؤيد ومعترض، بين متنازل عن حقوق لبنان، ومتمسك بها كاملة.
انّ «إسرائيل» التي تسعى الى حسم أمر الترسيم مع لبنان، منكبّة في الوقت الحاضر على التنقيب في الحقول النفطية والغازية، بعد أن خطت خطوات واسعة، وتقدّمت كثيراً في هذا المجال، تاركة لبنان معلقاً، لا يستطيع التنقيب عن ثرواته البحريّة، حتى في بلوكات منطقته الاقتصادية الحصرية التي لا تدخل في إطار نزاع الترسيم. إذ أنّ الشركات العالمية المختصة في التنقيب في الحقول الغازية والنفطية، ليست على استعداد للمجازفة بالتنقيب في مناطق بحرية متنازع عليها. حتى وإنْ تجرأ بعض الشركات، وأخذ على عاتقه التنقيب في أماكن المنطقة الاقتصادية الحصرية العائدة للبنان غير المتنازع عليها. لأنّ هذه الشركات ستكون عرضة لضغوط كبيرة، ولابتزازات وعقوبات لا حدود لها، من قبل واشنطن وتل أبيب لمنعها من التنقيب قبل التوصل الى حلّ مع لبنان.
الولايات المتحدة و»إسرائيل» تضعان لبنان اليوم أمام خيار من إثنين: إما الترسيم وفق الأجندة «الإسرائيلية» ـ الأميركية وقبول لبنان به، وبعد ذلك السماح للشركات الدولية بالتنقيب في المياه اللبنانية، وإما ترك لبنان على حاله يتخبّط، لحين انتظار الضوء الأخضر الأميركي ـ «الإسرائيلي» للسماح له بعمليات التنقيب، وهذا أمر مستبعَد.
إنّ حرب الولايات المتحدة الاقتصادية الناعمة على لبنان، بأدوات «إسرائيلية»، ترمي في أهدافها الى فرض المزيد من الضغوط عليه، وإخراجه من حالة «التمرد» والرفض، ودفعه الى الإذعان، والسير مع سياساتها ومشاريعها حيال قضايا عديدة تتعلق بالمنطقة، وبكلّ ما له علاقة بالصراع العربي «الإسرائيلي»، وصفقة القرن، وحالة العداء والحرب مع العدو «الإسرائيلي»، وسياسات التطبيع الجارية، وتوجهات الولايات المتحدة، وخطتها، وأهدافها، وما تلقاه على الأرض من رفض، ومعارضة صريحة، ومقاومة حازمة لهذه السياسات والتوجهات.
هل ستثمر وساطة المبعوث الأميركي في الأسابيع المقبلة، أم أنّ ما لم يحققه فريدريك هوف، لن يحققه آموس هوكشتاين؟!
إذا كان على الوسيط الدولي من حيث المبدأ أن يتحلى ويتصف بالحياد، والنزاهة، والثقة، والشفافية، والموضوعية. فهل هذه المواصفات تنطبق فعلاً على الوسيط الأميركي حيال حقوق لبنان المشروعة، في الوقت الذي تشدّد فيه رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي منذ خمسة أيام على «أنّ أمن إسرائيل أمر حتمي لأمن الولايات المتحدة»؟!
لننتظر، وانْ كانت المطالب والتوجهات والنيات «الإسرائيلية» ـ الأميركية لا تعترف ولا تقرّ بحقوق لبنان البحرية كاملة. اللهم إلا إذا كان هناك من مفاجآت لبنانية، متوقعة وغير متوقعة، داخل كواليس السياسيين والسلطة والحكم، يطلّ بها على اللبنانيين، مَن هم على استعداد للتراجع او التنازل، او التفريط بحقوق لبنان وثرواته الطبيعية، وهو لا شكّ فيه تفريط وتنازل لم يكن في الحسبان.
مع الوسيط آموس هوكشتاين، سيتبيّن للبنانيبن جلياً، مدى وطنية، وصلابة، ومناعة الحكم في لبنان، ومدى صدقية والتزام حكامه، ومسؤوليه، وسياسييه في الدفاع عن ثروات شعبه، وحقوقه المشروعة، ومطالبه السيادية العادلة!
من الآن نقول: لا تنتظروا من آموس هوكشتاين و»إسرائيل» ما يفرح قلوب اللبنانيين، خاصة إذا جاء الحلّ على حساب حقوق لبنان ولو بحدّه الأدنى، حيث سينبري العديد من «الغيارى» على الساحة الحكومية من المطبّلين لـ «الإنجاز» المنتظر العظيم، والمروّجين له، و»المدافعين بكلّ ثقة» عن حلّ يتساوى فيه السارق والمسروق، الناهب والمنهوب، المعتدي والمظلوم.
لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال القبول أو التفريط بثروات لبنان في منطقته الاقتصادية الحصرية، لا من قريب أو بعيد، أياً كانت الاسباب والمبرّرات. ثروات هي من حق لبنان، والأجيال القادمة، التي لن تغفر لأيّ مسؤول مهما علا شأنه، يعبث بحقوق لبنان الكاملة أو يفرط فيها.
إنّ مشاركة العدو في استغلال ثروات لبنان، تعني نهب «إسرائيل» لمعظم ثروته، وقبل ان يبدأ بالتنقيب وينجز بالكامل مشاريعه.
الجميع دون استثناء أمام عدوان كبير على ثرواتنا، فإما ان نخضع للسرقة الموصوفة والابتزاز، وإما أن نتمسك بحقوقنا، ونرفض ونواجه. فإنْ لم نصن اليوم حقوقنا فلن نصون ما بعدها من حقوق. وإنّ التنازل عنها سيصبح عرفاً للمتخاذلين مستقبلاً حيال حقوق سيادية أخرى.
الأسابيع المقبلة ستبدي لنا مَن هم الحماة الحقيقيون لثروات وحقوق اللبنانيين، ومَن هم المفرّطون بثرواته وسيادته!