أوقفوا التفاوض إن كنتم مستعجلين
ناصر قنديل
– في الوقت الذي تجهد المقاومة لتظهير كيان الاحتلال ضعيفاً عاجزاً، وتقدّم الإنجازات والأدلة الجديدة على هذا الصعيد، يتصرّف المفاوض اللبناني وكأن مأزقه هو المهيمن على المشهد، ويتحدّث بلسان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب ورئيس التيار الوطني الحر عن ضرورة العجلة قبل أن يفقد الغاز أهميته لصالح الطاقة المتجدّدة، وعن ضرورة التركيز على أكل العنب وليس قتل الناطور، وتصير الخلاصة هي ما قالوه جميعاً وهم يردّدون ما نسب لرئيس الجمهورية عن أن الخط 23 هو الخط الثابت للحدود السيادية اللبنانية، الذي سرعان ما يصير خطاً تفاوضياً عندما يقال إن الخط 29 لا يستند الى إثباتات تقنية وعلمية، لأن الخط التفاوضي هو الخط الذي يقول أصحابه انه ثابت وسيادي لكنهم آتون الى التفاوض للبحث عن حل، وهذا ما كان عليه الخط 29 وصار عليه اليوم الخط 23.
– عندما انتقل الملف التفاوضي من رئيس مجلس النواب نبيه بري الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، نظم مؤيدو رئيس الجمهورية حملة تخوين على قاعدة اتهامه بتضييع حقوق لبنان لالتزامه بالخط 23 وتبنوا ما كشفه الجيش اللبناني بصدد الخط 29، وامضوا أياماً احتفالية تحت عنوان تظهير الانتقال للملف كإنقاذ للحقوق السيادية من يد التفريط الى اليد التي تحفظ وتصون، وكان الرئيس بري قد نجح بهدوء وصمت بالثبات بوجه دعوات وضغوط فرض خط فريديريك هوف المبعوث الأميركي الذي سبق آموس هوكشتاين بتقديم مبادرة تقاسم للمساحة بين الخطين 1 و23 وقام بعده ديفيد شينكر بالضغط لفرضها، وجاء ما سمي باتفاق الإطار ترجمة عملية لسقوط خط هوف والقبول بالتفاوض على بديل عنه، وجاء كشف الجيش اللبناني عن الخط 29 تعزيزاً للإنجاز بتقديم خط حقوق سيادية يصلح بجعله خطاً تفاوضياً يفرض الانتقال من البحث عن خط وسط بين الخطين 1 و23 الى حل وسط بين الخطين 23 و29، وتلك كانت مهمة مرحلة التفاوض التي تولاها رئيس الجمهورية، ومضت بنجاح، حتى ظهر الكلام الأخير.
– عندما انتقل الملف التفاوضي إلى رئيس الجمهورية اعترضنا (هنا في هذه الزاوية) على ما هو أهم من النقاط التي سجل ثنائي حزب الله وحركة أمل اعتراضاته عليه في تركيبة الوفد المفاوض وتسمية مدني ضمن صفوفه، وتحدّثت يومها مع المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي، واتصلت بمعالي الوزراء السابقين المشهود لهم بالخبرة القانونية والدستورية بهيج طبارة وكريم بقرادوني وزياد بارود سائلاً آراءهم في صحة وسلامة الكلام عن إسناد مرجعية رئيس الجمهورية الى المادة 52 من الدستور بصفته من تؤول إليه مهمة التفاوض مع الدول الأجنبية، وبالتأكيد لا أريد من هذا الاستذكار أن أنسب أو أوحي بنسبة موقف لأحد، فمضمون اجوبتهم ومواقفهم ملك لهم وحدهم حق الإفصاح عنها، لكنني أورد ذلك من باب الإشارة الى الجدية والمهنية والصدقية في الاعتراض على ذلك الإسناد لخطورة ما سينتهي إليه بجعل أي اتفاق مشروع معاهدة بين لبنان وكيان الاحتلال يحتاج تصديقاً في مجلس الوزراء ومجلس النواب، وما يتضمنه ذلك من مخاطر التطبيع، داعياً الى الاستناد الى المادة 49 التي تتضمن صلاحيات رئاسة الجمهورية ومن ضمنها أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبصفته هذه يشرف على إدارة التفاوض غير المباشر بين اللجان العسكرية ويوجهها، عبر المجلس الأعلى للدفاع بدلاً من مجلس الوزراء، وتنتهي المحادثات العسكرية، كما في لجان الهدنة وفي تثبيت نقاط الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 بمحاضر تنظمها الأمم المتحدة وتودعها لدى الجانبين وتودع نسختها الأصلية لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وبكل أسف لم تُسمع النصيحة ولا تمّت مناقشتها، كما اعتقد.
– خلال المسار التفاوضي أيدنا (هنا في هذه الزاوية) عدم توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم تعديل الخط السيادي، واكتفائه بالحصول على سائر التوقيعات عليه، لجعله ورقة ضاغطة للعودة الى المفاوضات من موقع قوة، وشاركنا في التصدّي لحملة التخوين التي استهدفت موقف الرئاسة لحسابات سياسية وشخصية، شككت بسلامة موقفه وصحة التزامه بالمصلحة الوطنية، وقلنا إن عامل القوة الوحيد الذي تمثله المقاومة لفرض التفاوض على الاحتلال والوساطة على الأميركيين، تحتاج خطاً سيادياً للحدود البحرية غير موجود وغير معترف به، وبدون هذا الخط لا تستطيع المقاومة أن تقول بحال فشل التفاوض إنها تلتزم بحرمان العدو من استثمار الحقول المتنازع عليها، وحين أرسل لبنان رسالته الى الأمم المتحدة محذراً من هذا الاستثمار قلنا (هنا في هذه الزاوية) إن الرسالة منحت المقاومة فرصة الحماية التي تعزّز موقع لبنان التفاوضي.
– كل ما قيل وتمّ بعد ذلك لن ينتج سوى الضرر على مصلحة لبنان العليا التي لا يملكها عهد ولا تملكها حكومة ولا أحزاب، وعلى المستعجلين في السياسة للوصول إلى حل تفاوضيّ أن لا يتذرعوا بالتقنيات التي تسري علينا وعلى عدونا، فتسقط قيمتها التفاوضية، اما الاستعجال السياسيّ فيبدو أنه يسري علينا فقط، ولذلك نقول أوقفوا التفاوض إن كنتم مستعجلين.