أولى
المسيّرات الناجحة والمضادات الفاشلة ترسم: تكامل توازن الردع بين المقاومة و»إسرائيل»
د. عصام نعمان*
أطلقت قوات المقاومة في لبنان مسيّرة “حسان” غير المسلّحة فجالت فوق منطقة الجليل شمالي فلسطين المحتلة مدة أربعين دقيقة وعلى مدى سبعين كيلومتراً وعادت الى قاعدتها سالمة.
استخدمت “إسرائيل” كلّ راداراتها ومنطادها الإستراتيجي المتطوّر وصواريخ قبتها الحديدية ومقاتلاتها الأسرع من الصوت فلم تتمكّن من إسقاط مسيّرة استطلاعية للمقاومة.
قائد المقاومة السيد حسن نصرالله كشف ان تنظيمه يصنع المسيّرات منذ سنوات ولا يحتاج الى جلبها من إيران، ومن يرغب في شراء بعضها عليه أن يقدّم طلباً!
الناطق بإسم الجيش “الإسرائيلي” كشف العجز عن إسقاط مسيّرة المقاومة، وترك للمقاتلات “الإسرائيلية” أمر ترجمة هذا العجز بعربدةٍ جوّية فارغة فوق سطوح مباني بيروت لمدة ثلاثين دقيقة.
ماذا تعني مشهدية المسيّرات والمضادات في أجواء فلسطين المحتلة ولبنان في هذه المرحلة؟ وهل من تداعيات لها إقليمياً وعلى مفاوضات فيينا النووية؟
إقليمياً، لا شك في أنها تركت تداعيات لافتة في كلٍّ من لبنان وفلسطين المحتلة وسورية.
في لبنان، ابتهج قادة المقاومة وحلفاؤهم السياسيون عشية الانتخابات النيابية المفترض ان تجري في منتصف شهر ايار/ مايو المقبل، وقدّروا بأنّ الحدث اللافت من شأنه رفع معنويات ناخبيهم وشدّ عزيمتهم. خصوم المقاومة أزعجهم الحدث فحرصوا على تفسيره بأنه دليل جديد على “إمعان حزب الله في مصادرة قرار الحرب والسلم من الدولة اللبنانية”. الأكثر تطرفاً بينهم، رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، صبّ جامّ غضبه على غريمه العوني “التيار الوطني الحر” وحمّله مسؤولية خراب لبنان نتيجةَ تحالفه مع حزب الله ما أتاح له استخدام المسيّرات خارج ما أسماه “الشرعية السيادية”.
في فلسطين المحتلة، لا سيما القدس وحيّها الملتهب الشيخ جراح، عزّز الحدث حماسة المتظاهرين والمصلين الفلسطينيين الذين اعتبروه فعل دعمٍ من أقرانهم اللبنانيين المعادين للكيان الصهيوني.
في “إسرائيل” أحدث عجز جيشها عن إسقاط المسيّرة اللبنانية ارتباكاً وحيرة في جميع الأوساط وتضارباً في تقدير تداعياته. وسائل الإعلام والمعلّقون السياسيون والعسكريون أقرّوا بأنّ عدم إسقاط المسيّرة شكّل نصراً معنوياً للمقاومة اللبنانية، إلاّ انّ بعضهم أخذ على قيادة الجيش مبالغتها في تقدير خطورة الحدث بإرسالها طائرات حربية للعربدة الفارغة في سماء بيروت.
في سورية، سادت غبطة شاملة الأوساط السياسية والشعبية، وتكوّنت لدى القيادات العسكرية قناعة بأنّ مشهدية المسيّرة أضافت حلقة الى سلسلة احداث ومتغيّرات تصبّ في مصلحة محور المقاومة والممانعة.
دولياً، استرعى توقيت الحدث انتباه بعض المراقبين، ذلك انّ تسريبات من مصادر شتى أوحى بعضها بأنّ مفاوضات فيينا النووية تقترب من نهاية إيجابية فيما أوحى بعضها الآخر بأنها ما زالت بعيدة عن الحسم وأنّ مشهدية المسيّرات والمضادات في سماء فلسطين المحتلة ولبنان تُسهم في لجم التفاؤل المبكر بشأن نهاية إيجابية لها. غير انّ فريقاً ثالثاً من المراقبين، لا سيما في لبنان، فسّر مجيء رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى “إسرائيل” بأنه لطمأنتها بأنّ أيّ اتفاق ستتوصل اليه الولايات المتحدة في فيينا مع إيران سيضمن بالتأكيد حمايةً لأمن الكيان الصهيوني كما مصلحة الحزب الديمقراطي الأميركي، بطبيعة الحال، الذي تنتمي اليه بيلوسي ويواجه امتحاناً قاسياً في الانتخابات النصفية الأميركية في الخريف المقبل.
من مجمل هذه التطورات وردود الفعل عليها يمكن استخلاص المعاني والتداعيات الآتية:
أولاً، تكامل توازن الردع بين المقاومة و”إسرائيل”. صحيح انّ حزب الله تمكّن من فرض قواعد اشتباك جديدة وصارمة على الكيان الصهيوني مذّ دحر جيشه في حرب العام 2006، إلاّ انّ مشهدية فشل “إسرائيل” بكلّ مضادات دفاعها الجوي في إسقاط مسيّرة غير مسلحة للمقاومة أعطى قواعد الإشتباك المُشار إليها بُعداً عملانياً أوسع تستفيد منه كلّ أطراف محور المقاومة، خصوصاً المقاومة في لبنان التي باتت واثقة بأنها حققت توازناً ردعياّ مع دولة العدو. وقد عبّر عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض عن هذه الثقة بقوله إنّ توازن الردع مع العدو بات ثلاثي الأبعاد: في البر والبحر والجو.
ثانياً، اضطرار الولايات المتحدة الى وضع مشهدية مسيّرة المقاومة في حسبانها في مرحلةٍ تجابه فيها ثلاث تحديات ماثلة:
أولها مفاوضات فيينا النووية والتداعيات المحتملة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ما يؤدّي الى رفع الحجز عن قليل أو كثير من مليارات دولاراتها وتمكينها تالياً من استخدامها في دعم برامجها الإنمائية في الداخل وحلفائها في الخارج.
ثانيها تطورات المجابهة بين دول الغرب الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى في أوكرانيا ومستقبل مخططها الرامي الى قطع توريد الغاز الروسي الى أوروبا والاستعاضة عنه بكميات بديلة من أميركا نفسها وغيرها من حلفائها.
آخرها تعقيدات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” وانعكاسات فشلها المحتمل على مصالح أميركا و”إسرائيل” وحلفائهما في لبنان والمنطقة.
ثالثاً، ترسيخ توازن الردع بين أطراف محور المقاومة والممانعة من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى وانعكاسه السلبي على استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا بعد خروجها المهين من افغانستان.
كلُّ ما تقدّم بيانه يفضي الى حقيقة ساطعة: ما زال من المبكر استخلاص نتائج موثوقة لكلّ ما يجري حالياً في ساحات غرب آسيا وأوروبا لأنّ الصراعات فيها ما زالت محتدمة ومتمادية.
استخدمت “إسرائيل” كلّ راداراتها ومنطادها الإستراتيجي المتطوّر وصواريخ قبتها الحديدية ومقاتلاتها الأسرع من الصوت فلم تتمكّن من إسقاط مسيّرة استطلاعية للمقاومة.
قائد المقاومة السيد حسن نصرالله كشف ان تنظيمه يصنع المسيّرات منذ سنوات ولا يحتاج الى جلبها من إيران، ومن يرغب في شراء بعضها عليه أن يقدّم طلباً!
الناطق بإسم الجيش “الإسرائيلي” كشف العجز عن إسقاط مسيّرة المقاومة، وترك للمقاتلات “الإسرائيلية” أمر ترجمة هذا العجز بعربدةٍ جوّية فارغة فوق سطوح مباني بيروت لمدة ثلاثين دقيقة.
ماذا تعني مشهدية المسيّرات والمضادات في أجواء فلسطين المحتلة ولبنان في هذه المرحلة؟ وهل من تداعيات لها إقليمياً وعلى مفاوضات فيينا النووية؟
إقليمياً، لا شك في أنها تركت تداعيات لافتة في كلٍّ من لبنان وفلسطين المحتلة وسورية.
في لبنان، ابتهج قادة المقاومة وحلفاؤهم السياسيون عشية الانتخابات النيابية المفترض ان تجري في منتصف شهر ايار/ مايو المقبل، وقدّروا بأنّ الحدث اللافت من شأنه رفع معنويات ناخبيهم وشدّ عزيمتهم. خصوم المقاومة أزعجهم الحدث فحرصوا على تفسيره بأنه دليل جديد على “إمعان حزب الله في مصادرة قرار الحرب والسلم من الدولة اللبنانية”. الأكثر تطرفاً بينهم، رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، صبّ جامّ غضبه على غريمه العوني “التيار الوطني الحر” وحمّله مسؤولية خراب لبنان نتيجةَ تحالفه مع حزب الله ما أتاح له استخدام المسيّرات خارج ما أسماه “الشرعية السيادية”.
في فلسطين المحتلة، لا سيما القدس وحيّها الملتهب الشيخ جراح، عزّز الحدث حماسة المتظاهرين والمصلين الفلسطينيين الذين اعتبروه فعل دعمٍ من أقرانهم اللبنانيين المعادين للكيان الصهيوني.
في “إسرائيل” أحدث عجز جيشها عن إسقاط المسيّرة اللبنانية ارتباكاً وحيرة في جميع الأوساط وتضارباً في تقدير تداعياته. وسائل الإعلام والمعلّقون السياسيون والعسكريون أقرّوا بأنّ عدم إسقاط المسيّرة شكّل نصراً معنوياً للمقاومة اللبنانية، إلاّ انّ بعضهم أخذ على قيادة الجيش مبالغتها في تقدير خطورة الحدث بإرسالها طائرات حربية للعربدة الفارغة في سماء بيروت.
في سورية، سادت غبطة شاملة الأوساط السياسية والشعبية، وتكوّنت لدى القيادات العسكرية قناعة بأنّ مشهدية المسيّرة أضافت حلقة الى سلسلة احداث ومتغيّرات تصبّ في مصلحة محور المقاومة والممانعة.
دولياً، استرعى توقيت الحدث انتباه بعض المراقبين، ذلك انّ تسريبات من مصادر شتى أوحى بعضها بأنّ مفاوضات فيينا النووية تقترب من نهاية إيجابية فيما أوحى بعضها الآخر بأنها ما زالت بعيدة عن الحسم وأنّ مشهدية المسيّرات والمضادات في سماء فلسطين المحتلة ولبنان تُسهم في لجم التفاؤل المبكر بشأن نهاية إيجابية لها. غير انّ فريقاً ثالثاً من المراقبين، لا سيما في لبنان، فسّر مجيء رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى “إسرائيل” بأنه لطمأنتها بأنّ أيّ اتفاق ستتوصل اليه الولايات المتحدة في فيينا مع إيران سيضمن بالتأكيد حمايةً لأمن الكيان الصهيوني كما مصلحة الحزب الديمقراطي الأميركي، بطبيعة الحال، الذي تنتمي اليه بيلوسي ويواجه امتحاناً قاسياً في الانتخابات النصفية الأميركية في الخريف المقبل.
من مجمل هذه التطورات وردود الفعل عليها يمكن استخلاص المعاني والتداعيات الآتية:
أولاً، تكامل توازن الردع بين المقاومة و”إسرائيل”. صحيح انّ حزب الله تمكّن من فرض قواعد اشتباك جديدة وصارمة على الكيان الصهيوني مذّ دحر جيشه في حرب العام 2006، إلاّ انّ مشهدية فشل “إسرائيل” بكلّ مضادات دفاعها الجوي في إسقاط مسيّرة غير مسلحة للمقاومة أعطى قواعد الإشتباك المُشار إليها بُعداً عملانياً أوسع تستفيد منه كلّ أطراف محور المقاومة، خصوصاً المقاومة في لبنان التي باتت واثقة بأنها حققت توازناً ردعياّ مع دولة العدو. وقد عبّر عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض عن هذه الثقة بقوله إنّ توازن الردع مع العدو بات ثلاثي الأبعاد: في البر والبحر والجو.
ثانياً، اضطرار الولايات المتحدة الى وضع مشهدية مسيّرة المقاومة في حسبانها في مرحلةٍ تجابه فيها ثلاث تحديات ماثلة:
أولها مفاوضات فيينا النووية والتداعيات المحتملة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ما يؤدّي الى رفع الحجز عن قليل أو كثير من مليارات دولاراتها وتمكينها تالياً من استخدامها في دعم برامجها الإنمائية في الداخل وحلفائها في الخارج.
ثانيها تطورات المجابهة بين دول الغرب الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى في أوكرانيا ومستقبل مخططها الرامي الى قطع توريد الغاز الروسي الى أوروبا والاستعاضة عنه بكميات بديلة من أميركا نفسها وغيرها من حلفائها.
آخرها تعقيدات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” وانعكاسات فشلها المحتمل على مصالح أميركا و”إسرائيل” وحلفائهما في لبنان والمنطقة.
ثالثاً، ترسيخ توازن الردع بين أطراف محور المقاومة والممانعة من جهة و”إسرائيل” من جهة أخرى وانعكاسه السلبي على استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا بعد خروجها المهين من افغانستان.
كلُّ ما تقدّم بيانه يفضي الى حقيقة ساطعة: ما زال من المبكر استخلاص نتائج موثوقة لكلّ ما يجري حالياً في ساحات غرب آسيا وأوروبا لأنّ الصراعات فيها ما زالت محتدمة ومتمادية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ