أولى

مسيّرات المقاومة الناجحة: خسائر «إسرائيليّة» بالجملة

 العميد د. أمين محمد حطيط*

في عملية عسكرية ميدانية نوعية وذات خصوصية مميّزة أطلقت المقاومة الإسلامية في لبنان مسيّرة للاستطلاع فوق فلسطين المحتلة في مهمة جاءت بعد ساعات من إعلان السيد حسن نصرالله بأنّ المقاومة التي شاءت «إسرائيل» محاصرتها وقطع طرق إمدادها من الشرق ونفذت عشرات الغارات والقصف الصاروخيّ على سورية بذريعة ذلك وتحت عنوان منع حزب الله من امتلاك «سلاح كاسر للتوازن» يشمل الصواريخ الدقيقة والمسيّرات، انّ هذه المقاومة حوّلت التحدي فرصة واستغنت عن النقل البري للسلاح ذاك، وبدأت بتصنيعه محلياً، وبالتالي لم يعد هناك من ذريعة للعدوان «الإسرائيلي» على سورية الذي ينفذ تحت مصطلح «المعركة بين الحروب».

لقد أصاب السيد حسن سيد المقاومة في لبنان بإعلانه هذا عدة أهداف بحجر واحد، ولكن كان الأمر بحاجة إلى تثبيت عملي ميداني لاختبار فعالية التصنيع المحلي حتى يكون لهذا الأمر آثاره التي يعوّل عليها ومفاعيله المؤثرة عند العدو، ولذلك كان إطلاق المسيّرة وبهذه السرعة مكمّلاً للقول بالإعلان عنها، أيّ جاء إقران للقول بالفعل، ولهذا ومن أجل الإسراع في تثبيت الصورة سارعت الوحدات الجوية لدى المقاومة بتنفيذ المهمة الاختبارية ـ الاستطلاعية وتمكنت من القيام بعملية المسح والاستطلاع للجبهة الشمالية لدى العدو وبعمق ٧٠ كلم، ولمدة ٤٠ دقيقة، ثم استعيدت المسيّرة الى قواعدها سالمة منهية عملية استطلاع جوية أحدثت هزة عنيفة لدى العدو يُنتظر أن تكون لها تداعيات هامة على أكثر من صعيد لديه.

لقد حققت المسيّرة «حسان» (وهو الاسم الذي أطلق على الطائرة استعادة لذكرى الشهيد حسان اللقيس الذي اغتالته «إسرائيل» في عملية إرهابية استهدفته في الضاحية الجنوبية لبيروت)، حققت هذه المسيّرة بمجرد إطلاقها جملة من الأهداف أوّلها التأكيد على صحة ما قاله السيد من امتلاك المقاومة للمسيّرات المصنّعة محلياً، والثاني تأكيد قدرات هذه المسيّرة على التحليق فوق الأرض المحتلة لمدة ٤٠ دقيقة وبعمق ٧٠ كلم، وثالثها تأكيد قدرة الطائرة على التفلت من منظومات العدو الاعتراضية والعودة الى قاعدتها سالمة،

وفي المقابل فضحت هذه الطائرة وهَناً لدى العدو وكشفت ثغرات هامة في بنيته في الدفاع الجوي، وأكدت على سلوكيات استراتيجية وعملانية تهتمّ بها المقاومة وعلى أكثر من صعيد، حيث انها أسقطت بداية قواعد الاشتباك الجوية التي أرساها العدو من جانب واحد والتي تقوم على نظرية «أجواؤنا لنا ومقفلة بوجهكم» وأكدت انّ لدى المقاومة قدرات اختراق تلك الأجواء وتنفيذ المهام التي تحدّدها هي،

ثم انها أشعرت العدو بأنه يتحرك تحت عين المقاومة التي تراقبه وتحصي حركاته الأمر الذي سيفرض على العدو مستقبلاً اتخاذ تدابير إضافية للحماية والتمويه والإخفاء حتى لا يكون مكشوفاً أمام المقاومة وطبعاً من شأن هذه التدابير ان تعقد العمل في الميدان وترهق العدو وترفع منسوب الحذر والقلق والكلفة المادية أيضاً لديه. ومن جهة أخرى أشعرت العدو بأنّ كامل مسرح عمليات الجبهة الشمالية مكشوف أمام المقاومة في الدفاع او الهجوم وبأنّ المقاومة قادرة على إعداد بنك الأهداف المناسب لها وتيويمه بشكل مضطرد.

أما مسألتا الاختفاء عن رادارات القبة الفولاذية والتفلت من كلّ عمليات الاعتراض للإسقاط فقد كانتا السبب في فضيحة كبرى أصابت تلك القبة بالكثير من الخسائر المتعددة المواضع، حيث أثبت انّ تلك القبة فشلت أمام تقنية المقاومة في تصنيع جسم يتفلت من الرادار، وهي ثغرة ستبذل «إسرائيل» الكثير من الجهود والنفقات لمعالجتها، ثم انها فضحت المنظومة الصاروخية في القبة الفولاذية كما أظهرت عجز الحوامات والطائرات F16 عن تتبّع المسيّرة حسان وإسقاطها، أيّ بالمختصر انّ عودة الطائرة الى قواعدها بعد اختفائها عن شاشات الرادارات «الإسرائيلية» أثبت عجز تلك المنظومة بكلّ عناصرها.

أما على الصعيد المدني والمجتمعي نجد انّ المسيّرة أجبرت العدو على إطلاق صفارات الإنذار في المنطقة الشمالية كما سبب ضغطاً نفسياً وتلاعباً بأعصاب الجمهور خشية ان تكون المسيّرة التي فقدت إشارتها عن الشاشات وباتت مجهولة المكان والمسار، أن تكون تحمل متفجرات وتتجه الى هدف ما لقصفه، ما جعل الصهاينة في المنطقة يعيشون لساعات حالاً من الذعر والرعب والقلق ويتجه بعضهم الى الملاجئ ليقول للمؤسسة العسكرية «فشلتم في حمايتنا، رغم أنكم استعملتم كلّ ما لديكم من قدرات صاروخية وطيران نفاث ومروحيات فضلاً عن الرادارات وما يتصل بها».

خسائر «إسرائيل» الأمنية والعسكرية والعملانية باهظة إذن ولكن هناك أيضاً خسائر مادية أيضاً لا بدّ من التوقف عندها، منها أولاً انّ مسيّرة لا تكلف المقاومة أكثر من بضع مئات من الدولارات تفرض على العدو تفعيل القبة الفولاذية وإطلاق الطيران النفاث والمجوقل وإطلاق صواريخ كلفة المتدني من الثمن فيها تفوق الـ ٥٠ ألف دولار، ومن جهة أخرى فإنّ كشف وهن القبة الفولاذية سيتسبّب بتراجع تسويقها الخارجي، وكما حلّ بسوق الميركافا من خسارة بعد الفشل في العام ٢٠٠٦ أمام الكورنيت الذي استعملته المقاومة ستتكرّر الخسارة في سوق القبة الفولاذية.

وبالتالي فإنّ مهمة استطلاع نفذتها المقاومة بالمسيّرة «حسان» فوق الأرض المحتلة في فلسطين لمدة ٤٠ دقيقة أحدثت هذا الكمّ الكبير من الخسائر المتعدّدة المواضيع ولن يكفي «إسرائيل» ٤٠ يوماً أو٤٠ أسبوعاً لمعالجتها، خاصة إذا تذكر «الإسرائيلي» انّ من نجح في تصنيع هذه المسيّرة محلياً سيكون ناجحاً في تحويل صواريخه العادية الى صواريخ عالية الدقة، وسيقول لـ «إسرائيل» قدراتنا في خط صاعد وقدراتكم تتآكل أمامها وتتجه في خط انحداري هابط ما يفرض عليكم القول «وداعاً لحرب تنتصرون فيها» ولا جدوى من عمليات تنفذونها تحت عنوان «معارك بين الحروب».

انها إذن نتيجة هامة حققتها العملية تتعدّى في معانيها مجرد إطلاق مسيّرة واستعادتها، نتيجة تثبت انّ خيار المقاومة كان ولا يزال هو الخيار الوحيد الناجع في مواجهة العدو «الإسرائيلي» ومشروعه الاحتلالي الاستيطاني. خيار يشكل البديل الصحيح لكلّ مسارات التسويات والتفاوض التي أفضت الى التنازل وقادت أصحابها الى الاستسلام، اما المقاومة التي انتهجت سلوك الثبات على التمسك بالحق فهي التي تخط طريق حماية الحقوق واستعادة المغتصب منها، وضع او حقيقة فهمها بعض من في «إسرائيل» فدعوا بنتيجة إدراكهم لها الى ترك فلسطين لأهلها والبحث عن مكان آمن خارجها في اميركا او اوروبا لانّ يوم زوال «إسرائيل» يقترب مع كلّ نجاح جديد في الميدان العسكري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ جامعيّ ـ باحث استراتيجيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى