الحاج مصطفى الحاج المسكون بحبّ الإمام الصدر من مهد التضحيات حتى آخر رمق
د. خليل حمدان*
النخل لو مات لا تحنو قوائمه
كحدّة السيف مشحوذاً وإن غمدا
الحاج أبو محمد مصطفى الحاج واحد من الذين واكبوا الإمام السيد موسى الصدر في مسيرته منذ البدايات. غادرنا إلى العالم الآخر تاركاً بصماتٍ لا تُمحى، وحكاياته عصيّة على النسيان. نودّعه اليوم وهو لم يغادرنا ويفارقنا وما زال يملأ الأرض حضوراً. كيف لا وهو الذي حفر على صخرة عمره سيرةً تنضح بالوفاء والإخلاص، كيف لا وهو المسكون بحب الإمام السيد موسى الصدر والعامل بصمت في ظلمات الحوالك من تلك الأيام بحسّه الإيماني. اكتشف مبكراً أنّ لبنان يحتاج إلى قامة كقامة الإمام السيد موسى الصدر، والحاج أبو محمد له طول باع من طباع الناس في لبنان وأساليب الحكام فيه.
وهو صاحب تجربة غنية في معايشة الناس من مختلف الطوائف والمذاهب ومن خلال اطّلاعه على سلوك الساسة في لبنان وطبائع الحكام فيه لا سيما أنه اكتسب خبرةً راكمت كمّاً من المعلومات استشعر من خلالها الخطر على مستقبل لبنان. وهو ضابط في الأمن العام اللبناني فطموحه للبنان الغد اللاطائفي واللامذهبي تجسّد أمامه رجلاً اسمه الإمام السيد موسى الصدر. أجل لقد حاورته مرات ومرات وجدت أنه يتحدث بعينيه وصوته المتهدّج حزناً يخرج الكلمة بالدمعة آسفاً على إمام غيّبه المجرم القذافي خدمة لإسرائيل وأعوان إسرائيل».
كنت أحاول استدراجه لقول المزيد ليميط اللثام عن دوره الفاعل مع الإمام، ولكن ليس على سبيل التفاخر في سردية الماضي إنما يحاول الانسحاب من المشهد ليطفح منه كلام عن إنجازات الإمام الصدر. أمّا هو فكان مكلفاً، فيرشح عنه بعض من تاريخ ملبًّى بالعطاء.
أبو محمد مصطفى الحاج كان مهتماً مع الشهيد مصطفى شمران والأخ نبيه بري بمتابعة إقامات الثوار الإيرانيين المبعدين أو الملاحقين من شاه إيران من حقبة حرجة والحديث يطول.
الحاج أبو محمد مصطفى الحاج ذلك العامل بصمت بفرح بالإنجاز ولا يفاخر فيه لأنه ترابي ويعمل بعيداً عن الأضواء، كلفه الإمام السيد موسى الصدر عام 1977 لإيجاد أيّ طريقة لإخراج الإمام السيد محمد باقر الصدر من العراق بطريقة سرية، وبالفعل زاره آنذاك في العراق وقدّم له جواز سفر لبنانياً باسم مستعار وعليه صورة الإمام السيد محمد باقر الصدر وطلب منه المغادرة حاملاً أماني وتمنيات الإمام الصدر، ولكن الشهيد السيد باقر الصدر أجاب بالشكر ورفض الخروج من العراق ومزق ورقات من جواز السفر اللبناني وأنا شخصياً شاهدت جواز السفر هذا في لقاء مع الحاج أبو محمد في مؤسسة جبل عامل المهنية.
أبو محمد مصطفى الحاج حمل همومنا بامتياز حمل اللظى دون كلل أو ملل ودون ضجيج والملام كلنا في حركة أمل يعرف صدقته وصراحته ونبرة مواقفه العالية بوجه النقد المجرد عن المصلحة. عرفناه أخاً وأباً وصديقاً ووفياً وأميناً ومضحياً. الحاج أبو محمد ودعتنا غير تارك وفارقتنا وما أنت بمغادر عملت إلى جانب الإمام الصدر فتلفّحت سيرة الطيب يحلو لك أن تقول في الإمام الصدر أمل المعذبين وصرخة مستمرة في وجه الطغاة.
أنت ستبقى حياً في ضمير أهلك ومحبيك في بلدة الجية العزيزة، وستبقى حاضراً في قلوب إخوتك في حركة أمل وكشافة الرسالة الإسلامية والعهد لك وللإمام المغيّب القائد السيد موسى الصدر أن نستمرّ في مسيرة أفواج المقاومة اللبنانية أمل مدافعين عن أرضنا في وجه العدو الصهيوني ومحققين لآمال المحرومين في مسيرة التنمية والعدالة.
وأمل بنصر الله وعودة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه.