الطبقة السياسية مطمئنة… سواء حصلت الانتخابات أو لم تحصل
} علي بدر الدين
يطغى مشهد الانتخابات النيابية الموعودة، على ما عداه من أحداث وأزمات وانهيارات تتوالى على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية، التي انعكست بمجملها على اللبنانيين، مزيداً من الفقر والبطالة وارتفاعاً في أسعار السلع والمواد الغذائية الضرورية، والأدوية وكلّ متطلبات حياتهم ومعيشتهم اليومية، رغم «ثبات» سعر صرف الدولار حالياً «غير الواقعي» مقابل العملة الوطنية، التي تشهد تراجعاً غير مسبوق في قيمتها الشرائية، رغم «محاولات وإجراءات» المنظومة السياسية والسلطوية الحاكمة، وألاعيبها التي لم تخرج قيد أنملة عن نهجها الإفسادي والتحاصصي، حيث تتعمّد الإيحاء والادّعاء، أنها تسلك طريقاً إيجابياً آخر لتجاوزه، عبر عقد جلسات مجلس الوزراء، وجلسات تشريعية لمجلس النواب لإقرار قوانين على صلة بالواقع بهدف تغييره نحو الأفضل، من دون ان يلمس المواطن أيّ تطبيق لها أو أيّ تغيير طرأ لانتشاله من معاناته الشديدة الوطأة، التي أغرقته في قعر بئر عميقة من الفقر والجوع والقلة، والأمثلة كثيرة، لا تعدّ ولا تحصى، وهي تطفو على صفيح ساخن بل ملتهب وحارق، يبدأ من الموازنة المتعثرة والملغومة بمزيد من الضرائب والرسوم، التي حتماً ستزيد من الحمولة والضغط عليه، حتى قبل مناقشتها وإقرارها وإمرارها في مجلس النواب الذي غيّبها عن جلسته التشريعية الأخيرة، إلى خطة التعافي الاقتصادي والمالي التي لا تزال طيّ الكتمان، ولا أحد يعرف عنها شيئاً، وكأنها وهم وسراب، إلى خطة الكهرباء التي لا تزال أسيرة اللغة، والكلّ ينتظر ترجمتها إلى اللغة العربية والتنفيذ، في وقت لا يزال لبنان غارقاً في العتمة الشاملة من أقصاه إلى أقصاه، يتصاعد النقاش حول رفع تسعيرتها، وهي لا تزال حبراً على ورق، والكلّ بانتظار أن تحظى بقبول قوى سياسية وسلطوية جنت منها أموالاً طائلة، ولا تريد او لا ترغب بها، لأنها كانت تبيض لها ذهباً.
الطبقة السياسية التي تكوّنت ونمت وترعرعت وراكمت الثروات وكدّست الأموال وحكمت وتسلطت وطغت واستبدّت، لا تزال تمعن في سياسة الفساد والكذب والنفاق وإطلاق الوعود والمواقف والأوهام والتلاعب بمصائر الناس، لتبقى ممسكة بالسلطة والقرار والمال والنفوذ حتى رمقها الأخير، ولا يعتقدنّ أحد انها ستستسلم، و»ترفع العشرة» بالبساطة التي يتوقعها البعض، حتى لو أدّت الى خراب البلد، على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»، وهي لن تترك الهيكل حتى يأتي من يطردها منه، كما فعل السيد المسيح مع تجاره أو يهدمه على رؤوسهم.
الأسوأ أنّ هذه الطبقة تلجأ دائماً إلى تكبير حجر الأزمات والمشكلات والعناوين والشعارات، كلما شعرت باقتراب الخطر منها، بهدف صرف أنظار الناس وإلهائهم وإشغالهم عنها، كما يحصل مثلاً في ملف ترسيم الحدود البحرية، حيث السجالات والتجاذبات على أشدّها، بين مكونات الطبقة السياسية، وأيّ خط أفضل للبنان، هل هو ٢٩ أم ٢٣ أم غيرهما، وتحوّل الجميع إلى خبراء في البحار والمياه والنفط والغاز، والمفاوضات لم تنته بعد، والكلّ ينتظر ويعوّل على الموفد الأميركي وهو الوسيط المنحاز للكيان الصهيوني، وهناك قرار مجلس النواب بإلغاء الوكالات الحصرية الملغوم بشروط وتوقيت يصبّان في مصلحة كبار التجار وحيتان المال، حيث يوجد منذ عقود طويلة 3330 شركة ووكالة حصرية، تعمل وتستورد البضائع وتتلاعب بالأسعار ومعظمها غير شرعي وغير قانوني ولا تدفع قرشاً واحداً لخزينة الدولة، ولا من يراقب أو يحاسب أو يلاحق.
وزاد الأمر سوءاً الاستحقاق الانتخابي النيابي، الذي يشكل فرصة ذهبية مؤاتية جداً للطبقة السياسية، لأنها مناسبة لها لا تفوّت لإشغال جمهورها وبيئاتها الحاضنة واستدراجها إلى حيث ترغب لإدخالها في معمعة الانتخابات وشدّ عصبها وإطلاق العنان لعصبياتها وغرائزها وإعادة التفافها حولها، بعد أن تفرّق شملها وابتعدت عنها، لأنها أفقرتها وجوّعتها وشرّدتها وأذلّتها، وقد نجحت هذه الطبقة بدغدغة المشاعر، بشعاراتها الرنانة وخطاباتها عالية السقف والنبرة، وهي تدرك أنّ «عِرق هذا الشعب دساس» ولا بدّ من أن يعود إلى عرينه أو حظيرته وإنْ طال البعاد والغياب، خاصة إذا كان يعتقد أنّ «ولي» النعمة المفترض أو الطائفة او المذهب في مرمى الخطر الآتي من جهات أخرى معادية أو من خصم شرس يتربّص بـ «جماعته وبيئته ووجوده» الشرّ المستطير.
الطبقة السياسية السلطوية، تعرف تماماً من أين «تؤكل الكتف» وكيف تروّض جمهورها الغاضب، وتعيده إلى مضربه ووتده، بأقلّ الخسائر وبوسائل وأساليب، مجرّبة وناجعة خاصة أنها لا تزال قابضة على زمام المبادرة والأمور وبيدها الشأن والحلّ والربط والقرار والسلطة والمال والنفوذ، ما يجعلها مرتاحة جداً بل مطمئنة إلى واقعها وحاضرها ومستقبلها، إنْ حصلت الانتخابات أو لم تحصل، لأنّ الحبل بيدها «ترخيه» وتشدّه وقت ما تشاء، ولأنّ من المفترض ان يكون بيده «الصوت» والحساب في الانتخابات الذي هو الشعب، ممسوك ومقدور عليه، وقانع بما هو فيه وما آلت اليه حاله وأحواله، على قاعدة «القناعة كنز لا يفنى»!