أمداء النصيّة وآنيّة القراءة في سؤال القراءة والكتابة
} رضوان هلال فلاحة
تباين النصيّة في الفعلِ الكتابيِّ نتيجةٌ حتميةٌ للتباين الذهنيّ والسايكو انفعاليّ، المرتبطان عضوياً بفِطريةِ المكوِّن الحسّيّ لمنافذِ الإدراك الأولى، وما يَطال هذه المنافذ من أزمات، أو طفرات، أو موات.. بفواصلها العمريّة، ومدى تنامي مُدركاتها المُفعِّلة لمخاضات التأمّل المعرفيّ المتفاوت بيئويّاً بمحدّدات أنساقه الثقافيّة، ولعلّ الفرضيّة الأقرب للّبس في الإطلاع ـ الاضطلاع النقديّ في تمحور كليهما بدائرةِ الكينونة الكُبرى للنّسقِ المعرفيِّ، التي يَبني فيها القارئ، باختلاف سويّاته وتفاوتها، تعامله النقديِّ على مستندها المكتبيّ والمُعجَميّ، ويُحيل تبنّيه للعلائميّة اللغويّة على ذات المكتبيّة، أي إغلاق وتعطيل الكينونة التوالديّة المُنبلجة من التمايز الذاتيّ على المستويَين الحسّيّ والخبراتيّ المعرفيّ للكاتب والقارئ معاً.
الكاتب لجهة تأمّلاته في الأشياء، بآنيّة الانفعال الداخليّ حيناً والخارجيّ حيناً آخر، والقارئ لجهة تأمّلاته بين ثلاثيّة الشيء، المُنجَز النَّصيّ وتأمّلات الكاتب، وذلك الذي نقع عليه في وعينا إيّاها استنطاقاً استقرائياً أو استنباطياً، ومدى وعي القارئ لضرورة أو مصادفة إسباغ تجربته المعرفيّة مقابلةً مع ضرورة الانحياز أو مصادفة التلقّي لتجربةِ الكاتب المعرفيّة، وكليهما في تناغم سايكو انفعاليّ أو تنافر سايكو انفعاليّ.
وعليه، فالقارئ، عبر حدسه وسيّالات مخزونه الحسّي اللّامتناهي تنامياً في انفتاح بقصديةِ التماهي بزمنيّةِ دورةِ تَخلُّقِ النص، يُفعّل فيها القارئ للّانهائيّة غايةً لتعدديةِ القراءة واستحضارها للّحظة السايكوانفعاليّة للكاتب، وبامتلاك ناصيتها تنفتح المآلات، كلٌّ بمساحة دائرته الثقافيّة ومديات انفتاح محورها المعارفيّ.. أو تأويلياً بشرطيّة فقه المستوى الثاني من تأويلِ المأوَّل نصيّاً. ولعلّ أبرز المغالطات تلك التي تأتي من المُضْطَلع نقداً لخصوصية الفهم العام على المستوى التقييمي للكتابة، خضوعاً لحكم القيمة: «جيد»، «رديء» أو «ممتاز»، ممّا يؤدي إلى «الانفلاشِ» المُغذّى بنرجسيةِ الذات وغوغائيّةِ الجمهرة النمطيّة، أو التقويض والانحراف في تمظهرات الفعل الكتابيّ غير المثقف.. وبمجملها كنتيجةٍ مُحتملةٍ تؤزّمُ العلاقةَ بين القراءة والكتابة، وتعطّل صوابيّة جدليّتها..
القراءة بصفتها المتلازمةِ مع الكتابة، المُحرِّض العضويّ للكاتب، بأطوارها الفطريّة والخبراتيّة والمعرفيّة، وتطوريّتها النافذة إلى طبقاتِ الكُتّاب والقُراء معاً.
إنّ السؤالَ الذي يجبُ أن لا يكون غائباً عن الكاتب والقارئ: لماذا الكتابة؟ لماذا القراءة؟
فهي الحاملُ النّوعيُّ والأكثر وعياً للسؤال الأكثر بروزاً لمن نقرأ؟ لمن نكتب؟
فإن كانت الإجابة عن لِمَن؟ هي الكاشف عن النزوع إلى القيمة بأحقيّةِ حضورها إنسانيّاً، والفارز للنوع مع التّسارع والتّتَابع المُستفحِل في العبثيّة والاستسهال، فالإجابة عن لماذا القراءة؟ لماذا الكتابة؟ هي الماهيّة الخلّاقة لعلميّة الابتكار، ليس على مستوى ضوابطها فحسب، بل لوعي العلّة الفاعلة للجهد والاجتهاد الإنسانيّ لمرحليّة الدورة الحضاريّة وما يصاحبها من جديّة الارتكاز إلى المثل الأعلى قيميّاً في خلق مناخاتها التي تكرّس نموّها.