العنف الزوجي أسبابه وعلاجه…
} سارة السهيل
ينتشر العنف ضدّ الزوجات في معظم دول العالم، ورغم الجهود الدولية المبذولة لعلاج هذه الكارثة الإنسانية، فإنّ نتائجها للأسف ضعيفة الآن، بدليل استمرار هذا العنف الذي يأخد مظاهر وأشكالاً متعددة، وهذا يعني أنّ العالم أشبه ما يكون بغابة لا يعترف بترسانة القوانين الموضوعة لضبط السلوك الاجتماعي، ولا يعرف إلا لغة العنف والسيطرة والغلبة للأقوى.
وفق بيان صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإنّ هناك امرأة واحدة من كلّ ثلاث نساء، أيّ حوالي 736 مليون امرأة، تتعرّض للعنف الجسدي من قِبل الشريك الحميم، أو للعنف اللاأخلاقي من قِبل غير الشركاء، وهو عدد لم يتغيّر تقريباً طوال العقد الماضي.
تتعدد أشكال العنف ضد المرأة فمنها، الإساءة الجسديّة كالضّرب أو الركل أو القتل، والإساءة العاطفيّة كالتقليل من قيمة المرأة واحترامها، والاعتداء المتمثل في إجبار الزوجة دونما رضاها والتعنيف النفسي كالضغوط الممارسة عليها نفسياً باستخدام أساليب التخويف والتهديد. والصراخ والتكسير والوعيد ومنعها مِن ممارسة حياتها الطبيعية المشروعة،
وكذلك الاعتداء الاقتصادي مثل سلب مال الزوجة، أو التحكم بأموالها قهراً او إكراهاً ناهيك عن العنف اللفظي بالشتم والسباب، وإهمال الزوج لزوجته عاطفياً ونفسياً واقتصادياً، وخيانتها عبر دخول الزوج في علاقات متعددة بما يجرح مشاعرها ويهدر كرامتها وحقوق العشرة بينهما.
هناك العديد من الأزواج الذين يفرضون سيطرتهم كاملة على زوجاتهم بهدف إلغاء شخصياتهن وحرمانهن من حريتهن في التعبير عن آرائهن او حقهن في اختيار ايّ أمر متعلق بحياتهن.
الغريب بالأمر أنّ العالم يعيش عصر الفضاء والانفتاح الثقافي والقرية الكونية الواحدة، وتساوت المرأة مع الرجل في التعليم والتثقيف والتوظيف وايضاً كسب المال والمساهمة مع الرجل في الإنفاق على الأسرة، ورغم مصاعب عملها وإرهاقه فإنها تقوم بدورها كربة أسرة ترعى زوجها وأبناءها تربوياً وتعليمياً ونفسياً، بل وتقوم بأدوار ووظائف عديدة في وقت واحد، بينما يقوم الزوج بعمله وكسب عيشه فقط، مع ذلك فإنّ الأدوار الشاقة التي تقوم بها الزوجة، لا تشفع لها عند زوجها في حالة غضبه وعدم قدرته على ضبط انفعالاته عند تعرّضه، لأيّ مثير في عمله أو من قبل جيرانه مثلاً، فيسارع الى تنفيس جامّ غضبه في زوجته.
إنّ عمل المرأة وتفانيها في رعاية عائلتها، لم يشفعا لها لدى زوجها، فيقوم باحتقارها وبعملها ونجاحاتها امام أطفاله، ولا يثني على أدوارها التي تقوم بها يومياً لرعاية الأسرة، رغم أنها ليست ملزمة بها دينياً، من طبخ وتنظيف وحتى إرضاع الأطفال، فالإسلام أقرّ بوجوب إحضار خادمة للزوجة، ودفع الأموال لمرضعة من الخارج وما تفعله النساء في بيوتهن هو من باب الرحمة والعطاء.
كثيراً ما تمنع المرأة من حقها في شراء واختيار ما تحتاجه للمنزل، وتعاني كثيراً من التحكم في مظهرها وعلاقاتها مع أهلها وصديقاتها وكأنها طفلة وليست كائناً بالغاً عاقلاً راشداً.
إننا نعيش تناقضاً صارخاً، بين حال امرأة ناضحة، تربّت في بيت أهلها وتشكلت شخصيتها وفق منظومة القيم الأخلاقية التي تربت عليها وتغيّر حالها عندما جاءت إلى بيت الزوج، فإذا به يحاول تغيير كلّ شيء فيها، وكأنها دمية يحركها بأصابعه. «فإذا كانت طبائعها وتربيتها لا ترضيك فلماذا أقدمتَ على الزواج منها»؟ من باب أولى ان يذهب إلى امرأة تكون من البداية على هواه، ومن بيئته ومجتمعه بدلاً من محاولات التغيير لزوجته الراشدة.
من أهمّ مقومات الزواج الناجح التكافؤ، من حيث البيئة والثقافة والمجتمع والخلفية القادم منها كلّ من الزوجين، لناحية التعليم والفكر والاهداف والتطلعات، والقبول والرضا بين الجانبين، فالزواج ليس علاقة قهر وإرغام إنما قبول ومودة ورحمة وسكينة.
للأسف، نجد بعض الرجال إّا شعر بالنقص، يحاول إنزال المرأة إلى الحضيض، والتقليل من مستواها ويدمّر نجاحها تعبيراً عن شعوره الداخلي بتفوّقها عليه وعدم التكافؤ معها، وبدلاً من أن يصعد اليها يحاول إنزال مستواها.
في تقديري انّ العنف من قبل الرجل الذي لا يستطيع ان يسيطر على أعصابه، يرتبط بالغش، لأنّ أهله لم يعترفوا عند تزويجه بأنّ ابنهم يعاني من مرض أعصاب.
كذلك تأثير التربية في بيئة عنفية، وصارمة وقاسية خالية مِن الحنان والعطف تنتج سلوكاً عنفياً بديلاً من الحوار أو ضبط النفس والتعامل بعقلانية.
فهذا الزوج يبرّر الضرب والإهانة، بالاهتمام والرعاية ومحاولة منه لتربية الزوجة وتقويهما، مع انّ أساس الزواج وعماده المودة والرحمة ثم السكن النفسي، مصداقاً لقول النبي محمد “اتقوا الله في الضعيفين النساء واليتيم».
الإمام الغزالي أكد في كتابه «الإحياء» عند حديثه عن آداب معاشرة النساء، أنّ «من آداب المعاشرة حسن الخلق معهن، واحتمال الأذى منهن» ثم قال: «واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كفّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها».
يتبيّن لنا بموجب الوصايا انّ مفهوم الطاعة التي فرضها الإسلام على الزوجة ليست طاعة خنوع أو نزول عن مستوى الإنسانية كما يزعم البعض، كما انها ليست بالنسبة للرجل قوامة استبداد وظلم وإنما هي علاقة تكامل يشوبها العطف والرحمة والتكامل.
كما أنّ هذه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وهنا تبرز حقيقة انّ العنف الزوجي بحق المرأة يعدّ انعكاساً لثقافة المجتمع والمفاهيم السائدة فيه، فالبعض لا يقرّ بوجود العنف، ولا يأخذ مخاطره على محمل الجدّ، باعتبارها لا تستدعي الردّ أو اتخاذ أيّ إجراءات رادعة، ويرجع هذا الاعتقاد إلى موروثات تعتبر تعنيف الرجل للمرأة أمراً مشروعاً ومبرَّراً بحجّة أنّ الرجل عنيف بطبيعته، ويصعب عليه التحكّم بغضبه.
لذلك فانه يقع على كاهل المؤسسات الدينية والقانونية، العمل على تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة الخاصة بالعنف الموجّه ضدّ النساء، فقد شرّع الإسلام من القوانين ما حمى به المرأة من التعنيف، حيث أعطاها الحق في طلب الطلاق، كما أعطى المرأة المغتصبة حق في المهر والإرث في بعض الحالات، وشدّد على مسألة إقامة الحدود.
للعنف ضدّ المرأة آثار مدمّرة على واقعها ومستقبلها ومستقبل أولادها، لأنه يجعل منها إنسانة محبطة المشاعر ومشوّهة الجسد جراء الضّرب والإهانة.
وتتعدّد مثل هذه الآثار فمنها الصحية ومنها النفسية من تداعياتها الاكتئاب الحاد والاضطراب النفسي، الذي يقودها الى محاولات الانتحار أو إدمان شرب الكحول، والتدخين، والمخدرات، الأمر الذي ينعكس على صحة المرأة النفسية في مراحل مُتقدمة.
وهناك الآثار الاجتماعية فالعنف ضدّ المرأة يؤدي إلى اضطرابات أسرية تنعكس بدورها على الأطفال، وقد تؤدي أيضاً إلى إصابتهم بعدم استقرار نفسي وعاطفي، وهو ما يؤثر في سلوكياتهم المجتمعية في مراحل متقدّمة من العمر. وأيضاً المشاكل الاقتصادية، حيث يمثل العنف ضدّ المرأة عائقاً كبيراً لنجاحها ونشاطها الاقتصادي.
الوقاية خير علاج
للتصدي للعنف ضدّ المرأة وإيقافه، فإنّ المجتمع بكلّ اطيافه ومؤسساته لا بدّ أن يتكاتفوا من أجل إعادة تصحيح المفاهيم المغلوطة في الحياة الزوجية، وتبدأ الوقاية من المناهج الدراسية التي يجب أن تضمّ برامج للتعريف بالعنف ضدّ المرأة وحمايتها منه، ونشر الوعي الصحي والثقافي حول هذا الموضوع، إلى جانب الخطط الاقتصادية التي تُمكّن المرأة من تعزيز دورها في المجتمع وإبرازها كعضو فاعل فيه من خلال تقديم الدورات التدريبية لها لدعم تطوير مهاراتها وقدراتها، وتشجيع الاستراتيجيات الوطنية التي تعزز المساواة بين الرجل والمرأة وتقديم فرص مُتساوية لكلّ منهما، بالإضافة إلى تضمين البرامج الوطنية التي تصون العلاقة بين الأزواج وتعزيز مفهوم العلاقة الزوجية على مبادئ الاحترام والتفاهم لخلق مناخ أُسري صحي للأطفال والعائلة عامة.
إنّ العنف الزوجي وإهانة المرأة أساسهما الإرث الاجتماعي المغلوط.
في حين انّ الرسالات السماوية وأحكامها الشرعية، وقواعدها تحرّم العنف الجسدي والنفسي ضدّ الزوجة، لا سيما أنَّ الحياة الزوجية قائمة على السكن والمودة والرحمة وعلى تجنب الشتم والسب والتحقير، ولا بدّ من التزام المعالجة بالمنهج الشرعي لأيّ خلاف.
تكريم المرأة يبدأ مِن أهلها الذين يجب عليهم محضها الثقة بالنفس، وحفظ كرامتها وعدم إهانتها حتى لا تكون خانعة وخاضعة، لكلّ مِن تسوّل له نفسه إيذاءها، وأن تعلم حدود حقوقها وواجباتها ولا تتنازل عن أيّ من حقوقها، وتقوم بكلّ واجباتها بحب وأمانة، فكلّ شيء يبدأ مِن الأسرة ومِن ثم التأكيد على تلقيها العلم حتى تعتمد على نفسها ولا تضطر لقبول الاهانات والتعنيف مقابل لقمة العيش، او المأوى في منزل مِن ينتهك حقوقها وكرامتها وعليها ان تكون متدرّبة على العمل، حتى تعمل في حال حدوث أي طارئ يحدث معها كما يجب ان تأخذ المرأة حقوقها الشرعية في الإرث حتى تحمي نفسها بالمستقبل إذا ما تعرّضت للعنف والاضطهاد والابتعاد عن أسرتها الزوجية.