فساد
هم يخضعون كلّ شيءٍ، كلّ فكرة، كلّ فلسفة، إلى معيار واحد، هو معيار بقائهم على عروشهم، بقائهم محتفظين بامتيازاتهم، بقائهم رازحين على صدور الشعوب، وآخر ما يخطر على بالهم، وآخر همّهم هو مصلحة الشعوب ورفعة ونهضة هذه الشعوب، ولذلك فإنّ الحكم على فكرة الوحدة العربية، وهل أصابت نجاحاً وهل هي فاشلة، وهل من المجدي الاستمرار في طرح فلسفتها لا يجب أن يعوّل عليها كثيراً في ظلّ هذه الأنظمة وهي في واقع الحال وضعت علينا من الخارج لتحقيق مصالح واضعيها ومصلحتها في المقام الاول، وآخر ما يشغل بالهم او يقع ضمن سلم أولوياتهم هو الشعوب ومصلحة الشعوب…
أينما وجّهت نظرك وأينما حاولت ان تفهم ما الذي يجري حواليك ستجد القصة ذاتها وستجد الفاجعة ذاتها، أنظمة مستغرقة حتى الأذنين في النهب وفي مراكمة الثروات والاستمتاع وإغراق الذات في الملذات، وشعوب بالكاد تستحصل على مقومات الحياة دون ان تطمح حتى في الارتقاء بذاتها درجة واحدة في ما بعد ما هو ضروري من مستلزمات الحياة، وحتى هذه، تجد بعض الشعوب غير قادرة على توفيرها، هذا هو حال أمتنا أينما نظرنا وأينما حاولنا فهم ما يجري…
يحضرني هذا والتسريبات تترى تباعاً عن ثروات وحسابات بعض من أولئك الذين قيّض لهم تولّي أمورنا من رأس القمة حتى الزبانية التي تليه، ثروات موضوعة في حسابات سرية في سويسرا وغيرها بالملايين وبعشرات الملايين وبمئات الملايين، وقصور ويخوت وطائرات خاصة وممتلكات في كلّ أرجاء المعمورة، بينما الشعوب تركب البحر أحياناً لتمخره طلباً للنجاة وهروباً من ظلم ضجّت له السماء، يركبون البحر بزوارق معطوبة وتكون فرصة النجاة والوصول الى الشاطئ الآخر لا تزيد عن 50%، لكنهم مع ذلك يؤثرون المغامرة بأولادهم وفلذات أكبادهم هرباً من كلّ هذا الضيم وهذا الظلم، فيصل من يصل، ويغرق من يغرق.
هذا هو حال الأمة، ولكن لا يجب أن يحكم على تجربة الوحدة وهؤلاء الأوغاد هم من يمسكون بزمام الأمور، هؤلاء لا ينتمون الى هذه الأمة من أصله، هم ينتمون الى ذواتهم وأنانيتهم ورغبتهم في التسلّط ونهب الثروات، وأول الخطوات للنهوض والوحدة والارتقاء بأمتنا تكمن في الخلاص من هذه الأنظمة الفاشلة التابعة المرتهنة.