عندما يكون الموقف الدبلوماسيّ اللبنانيّ مصادراً!
د. عدنان منصور _
من البديهيّ أنّ أيّ قرار أو بيان لدولة ما، حيال أحداث، وتطورات، ونزاعات، وحروب تشهدها دول خارجية، يجب أن يعكس موقفاً سيادياً موحّداً للأطراف السياسية الحاكمة، وان تأخذ بالاعتبار مصالح بلدها وشعبها، والتوازنات الإقليمية والدولية، وأيضاً الانقسامات في مواقف الدول حول هذه الأحداث، والصراعات، والمواجهات الساخنة.
هنا نتساءل: هل البيان الرسمي اللبناني الصادر عن وزارة الخارجية، جاء ليعبّر عن إرادة وموقف الأطراف السياسية كلها داخل الحكومة وخارجها؟! ومن هو الذي مارس الضغوط لحمل رئيس الحكومة، وبتسرّع على إصدار بيان كهذا، ويدين دولة صديقة، لها أسبابها الجوهرية المتعلقة بأمنها القومي، والتي حملتها على القيام بما قامت به في مناطق عديدة في أوكرانيا؟!
وما دام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوعظنا، وينبّهنا، ويذكرنا من آن الى آخر بسياسة النأي بالنفس، ويبدي حرصه الشديد على الالتزام بهذا النأي، ويعبّر عن انزعاجه وغضبه حيال كلّ تصرف يأتي من هنا أو هناك يتعارض مع سياسة النأي، ويعتبره مُضرّاً بمصالح لبنان وشعبه، فهل بيان الحكومة هذا، الصادر عن وزارة الخارجية يعبّر فعلاً وحقيقة عن سياسة النأي بالنفس، أم أنّ الكيل بمكيالين، بنظر رئيس الحكومة ومَن وراء رئيس الحكومة، يُعتبر معادلة سليمة تصبّ في صالح لبنان، وهو يتعاطى مع مسألة دوليّة حساسة ومعقدة، حيث كان بإمكانه ان يتجنّب أخذ لبنان، والتسرّع في إدانة دولة صديقة كروسيا، لها مبرّراتها القومية والأمنية بالدرجة الأولى، التي دفعتها الى القيام بما قامت به.
كان بإمكان رئيس الحكومة، الذي اندفع، وتحمّس الى إبداء غيرته وعطفه، من خلال إصدار بيان رسمي، ان يعبّر فيه عن قلق لبنان إزاء ما يجري في أوكرانيا، ويكتفي بدعوة الأطراف المعنية، للجوء الى حلّ النزاعات عبر المفاوضات والوسائل الدبلوماسية، بدلاً من أن يدين روسيا ويحمّلها «المسؤولية عن اجتياح الأراضي الأوكرانية»، ثم يدعوها الى «وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها!».
مَن يدعو مَن؟! بهذه البساطة يتوجّه لبنان لروسيا، في الوقت الذي ورّط الغرب أوكرانيا، ودفعها الى الاستخفاف،
والتشنّج واستفزاز دولة عظمى، ولأمنها القومي، وتركها تواجه قدرها وحدها، في الوقت الذي تكتفي فيه دوله بالتنديد والعقوبات، والمساعدات العسكرية التي لن تغيّر بأيّ شكل من الأشكال تفاوت القوة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
بيان لبنان أول أمس حول أوكرانيا، لم يصُن فيه الرئيس نجيب ميقاتي مبدأ النأي بالنفس الذي يدافع عنه في كلّ مناسبة.
وهي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها عن هذا المبدأ، أكان ذلك بالتصريحات او المواقف او التصرّفات، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن.
وإذا كان رئيس الحكومة لا يزال مُصراً على التزام لبنان بمبدأ النأي بالنفس، فإنّ البيان الرسمي الذي صدر عن الحكومة اللبنانية عبر وزارة الخارجية أول أمس يشكل خطأ كبيراً إن لم نقل خطيئة. وإنْ كنا نتمنى لو أنّ البيان نأى بنفسه عن إملاءات وضغوط الجهة التي حملته على إصداره.