قراءة أوليّة في أبعاد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها
معن بشور
لا شك في أنه من المبكر إجراء قراءة شاملة وعميقة لأبعاد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها وآثارها على مختلف الأصعدة، لكن ما جرى حتى اليوم يسمح بقراءة أولية لهذه الحرب وباستخراج استنتاجات سريعة منها.
لعلّ أوّل هذه الاستنتاجات هو أنّ الاتحاد الروسي قد خطا بهذه الحرب خطوة سريعة نحو تكريس نفسه كقوة كبرى في عالم اليوم، مما سيؤدّي حتماً الى صياغة علاقات دولية جديدة لم يعد فيها مكان لهيمنة قطب واحد أو سيطرته بحيث يقوم نظام عالمي جديد أكثر عدلاً وأكثر توازناً…
وثاني الاستنتاجات السريعة هو انّ تعامل الإدارة الأميركية وحلفائها الأطلسيين مع «استغاثة» الرئيس الأوكراني يؤكد انّ واشنطن طالما اعتادت التخلي عن «أصدقائها» رغم تحريضها لهم لا سيما إذا لم تكن موازين القوى لصالحهم.
ثالث الاستنتاجات وهو مرتبط بالاستنتاج الثاني انّ الكثير من «حلفاء» الولايات المتحدة بدأوا يُعيدون حساباتهم في ضوء هذه التطورات.
وما موقف المجموعة العربية في مجلس الأمن ممثلة بدولة الإمارات العربية بالامتناع عن التصويت لصالح قرار يدين موسكو إلا أحد مظاهر هذه المراجعة التي قد تفتح الباب لمراجعات أكثر…
رابع الاستنتاجات هو الإرباك الواضح في موقف الكيان الصهيوني تجاه ما يجري في أوكرانيا، التي يرأسها رئيس جمهورية موالٍ للكيان، ورئيس حكومة أيضاً معروف بحماسته للكيان، فبعد أن «تسرّع» وزير خارجية تل أبيب بإدانة الحرب الروسية، عاد رئيس الحكومة الى دعوة وزراء حكومته الى التزام الصمت…
خامس هذه الاستنتاجات أنّ تصدّعاً واضحاً أخذ بالظهور داخل المعسكر الغربي، حيث نجد كتلتين تقومان إحداهما انكلوسكسونية فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وهي الكتلة الأكثر تشدّداً، والثانية أوروبية فيها كلّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها وهي الأقلّ تشدّداً وربما الأكثر إدراكاً، انّ المقصود بإشعال حرب موسكو على كييف هو ضرب التقارب الألماني ـ الروسي الذي كان خط «نورد ستريم 2» هو عنوانه الذي تسعى واشنطن الى وقفه في جو استنكار الحرب الروسية ـ الأوكرانية.
سادس هذه الاستنتاجات انه قد يكون من أبرز نتائج هذه الحرب انّ المعسكر المعادي للهيمنة والسيطرة الأميركية على العالم يربح جولة جديدة من جولات أخرى ربحها في أفغانستان وآسيا الوسطى وصولاً الى الصراع المحتدم في منطقتنا العربية والإسلامية ناهيك عن نتائج الانتخابات الرئاسية في عدة بلدان أميركية جنوبية بما يمكّن تلك البلدان من الحديقة الخلفية للبيت الأبيض الأميركي…
سابع هذه الاستنتاجات وربما أهمّها بالنسبة لنا أنّ هذا التحوّل الهامّ في موازين القوى الدولية بدأ أساساً على أرضنا العربية لا سيّما مع مقاومة الشعب العراقي للاحتلال الأميركي، وانتصار الجيش والشعب السوري على حرب لم تتوقف منذ 11 سنة، وتنامي انتفاضات الشعب الفلسطيني ومقاومته التي باتت تزلزل كيان العدو وجبروته، ونجاح المقاومة اللبنانية في بناء معادلة ردع مع الكيان الصهيوني لم تستطع كلّ مشاريع الحصار والفوضى من الإجهاز عليها في لبنان، والصمود التاريخي لشعب اليمن في وجه حرب شرسة بدأت منذ سبع سنوات وأدّت الى هزائم متلاحقة ضدّ قوى العدوان، ناهيك عن إنجازات هامة حققتها الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي الداعم الرئيسي لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، على أكثر من صعيد وآخرها العودة الى الاتفاق النووي مع واشنطن دون أيّ تنازل من جانب طهران…
وإذا كان أفول الاتحاد السوفياتيّ بدأ في أفغانستان… فهل يكون صعوده اليوم في أوكرانيا؟
بل إذا كان عصر الهيمنة الأميركية الأحادية قد بدأ مع احتلال العراق… فقد بدأ أفول هذا العصر مع صعود المقاومة الممتدّ من العراق الى فلسطين الى لبنان إلى سورية إلى اليمن إلى إيران؟
ثامن الاستنتاجات هو العمل العاجل من قبل الدول المناهضة للهيمنة والسيطرة الأميركية لإنشاء نظام مالي عالمي جديد يحرّر الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية من العبودية للدولار ومن سيف العقوبات المسلط على رؤوس الشعوب الحرة.
انّ هذه القراءة الأولية تحتاج الى مزيد من التحليل العميق في ضوء تطورات الميدان والعلاقات الدولية، كما انّ الإيجابيات التي تحملها تحتاج الى مزيد من التحصين لا يتمّ إلا إذا جرى إغلاق الكثير من الثغرات في بنية العلاقات بين الدول المناهضة للهيمنة الأميركية، وداخل هذه الدول وهو ما يحتاج الى بحث عميق ومطوّل في مجال آخر…