بيان عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي بمناسبة الأول من آذار عيد مولد سعاده: أيها القوميون التفّوا حول حزبكم ومؤسّساته وكونوا كما عهدكم الزعيم قدوة في النضال والمناقب كونوا أقوياء ليقوى بكم حزبكم واجعلوا منه قوة فاعلة لتنتصر به الأمة السورية وشعبها العظيم..
أصدرت عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً بمناسبة الأول من آذار عيد مولد باعث النهضة أنطون سعاده جاء فيه:
يطلّ علينا الأوّل من آذار هذا العام وحزبنا وشعبنا مستمران في خوض حرب الوجود، يبدّدان غيوماً سوداء تمرّ فوق معظم كيانات الأمّة السورية.
ولأنها حرب عزّ لأمتنا السورية كلها، فنحن نخوضها على الجبهات كافة، نجابه فيها تنيناً برؤوس كثيرة. فحين شعر أعداء أمتنا أنها بدأت تستردّ بعض قوّتها، وأصبحت قادرة على صدّ مشروعهم، خافوا على كيان عصابات الاحتلال الذي زرعوه ـ غصباً وعدواناً ـ في جنوبنا السوري. وبات أولئك الأعداء يخشون على ذلك الكيان من الفناء، فاشتدّ عنف الصراع لتحتلّ الولايات المتحدة الأميركية بجيشها أجزاء من أرضنا القومية في الشام والعراق استكمالاً لمخطّط جهنميّ بدأته، ولم تتمكّن من تحقيق ما أرادته بفضل صمود أبناء شعبنا السوري ومقاومته.
حاولت الحكومة الأميركية التي وصفها حضرة الزعيم منذ قرن بأنها ساقطة من عالم الإنسانية الأدبي أن تربح بالقوة العسكرية فما تمكّنت. فلجأت إلى الخطة البديلة مستخدمة العقوبات الاقتصادية والحصار وزرع الفتن والاقتتال الداخلي والاتفاقيات السياسية المشبوهة وكلّ ما ملكت يداها بهدف أن تعيد أمتنا القهقرى، وبغاية نشر اليأس والإحباط.
في العام 1932 كانت سورية كلها في وضع سيّئ جداّ. فهي مقسّمة إلى كيانات تحت احتلالات غربيّة، تتمّ تهيئة الأرضية والأوضاع فيها لإقامة كيان الاغتصاب اليهودي.
وعلى الرغم من أنّ كلّ شيء كان رهيباً وينذر بالخطر، إلا أنّ ذلك لم يحبط الشاب الآتي إنقاذاً للأمة في الأوّل من آذار 1904، بل كانت العزيمة تضجّ في فؤاده والثقة بأمته الناهضة محور حياته.
«إنّ فيكم قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ».
«لم آتكم بالخوارق والمعجزات بل أتيتكم بالحقائق الراهنة التي هي أنتم».
فكان أنطون سعاده هو الردّ الطبيعيّ من الأمّة السورية التي لا ترضى القبر مكاناً لها تحت عين الشمس.
اليوم رغم كلّ الصعوبات التي مرّت بنا خلال السنوات الماضية، ها نحن نتلمّس نبض الحياة يقوى أكثر في شرايين الأمّة التي اختارت طريقها الواضح لدحر مشاريع العدوان.
فها هو عراقنا الأشمّ الذي تآمرت عليه معظم دول العالم، يسطّر مقاومة باسلة كانت كفيلة بهزيمة الاحتلال الأميركي وأدواته من التنظيمات الإرهابية وطردهم من أرض الرافدين.
ويستمرّ العنفوان والعزيمة في ذروتهما دافعين لاستمرار التكامل القومي مع الشام البطلة وصولاً إلى مدّ شريان الحياة إلى لبنان المقاوم.
إنّ الحرب التي قامت على الشام، والعقوبات المفروضة عليها، هي دليل ساطع على العداء الذي يكنّه الغرب عموماً لنا. وهي دليل على انبطاحه أمام الصهيونية، وعلى سقوطه الأخلاقي وكذبه وخداعه وزيف شعاراته التي يتغنى بها من حقوق الإنسان إلى العدالة الدوليّة وصولاً إلى رفض العنصريّة، طالما أنّ تلك الشعارات لا تمسّ بكيان العدو الغاصب.
شعبنا في الشام يمرّ بمرحلة قاسية اقتصاديّاً، لكنه شعبنا عوّدنا على الإباء، وأثبت أنه لا يساوم على سيادته أو على حقوقه أو على مواقفه القوميّة والوطنيّة التي كانت هي السبب الأساس في العدوان الذي استهدف أرض الياسمين.
في لبنان المقاوم مشهدان متناقضان: أولهما لبنان الذي أريدَ له أن يكون صيغة الاستعمار وصاحب الوظيفة المخالفة لطبيعته. لبنان المؤلّف من مزارع الطوائف المتعايشة في ما بينها بفعل نظام لا يمتّ الى أنظمة الدول بصلة.
فهذه التركيبة وصلت إلى نهايتها مع انهيار اقتصادي كبير خلال فترة وجيزة، رافقه انهيار مؤسسات الدولة وتلاشي هيبتها.
فهناك من يسعى إلى جعل القضاء استنسابيّاً رهينةً لمشيئة السياسيين ورجال الدين. ويُراد للأجهزة الأمنية أن تخرج من دورها في حماية الدولة والمواطن لتتحوّل إلى أجهزة تأتمر بأوامر سياسيين وتجّار كبار. فيما المواطنون فقراء مهدّدون بأمنهم الغذائي والاجتماعي.
وبالرغم من كلّ ذلك، فإنّ المسؤولين في الدولة يتصرّفون وفق إملاءات الخارج أو تنافر المنافع الجزئيّة الداخليّة غير آبهين بالحالة الاقتصادية ـ الاجتماعيّة التي عجزت الحكومة عن وضع أبسط الحلول لها، بل ذهبت إلى وضع موازنة ترهق المواطن أكثر، وتزيد من معاناته إلى حدّ لا يحتمل إطلاقاً.
رغم كلّ هذا الوجع، فإنّ المسؤولين يزيدون في الوطن إذلالاً برضوخهم لأوامر خارجيّة تفقد الدولة سيادتها. ويعزفون عن الذهاب إلى حلول تعاكس الرغبة الأميركيّة. فلا يحصلون على دعم من الولايات المتحدة، ولا هم قادرون على التعاون مع أخصامها أو منافسيها. فيبقى البلد بدون كهرباء ولا حلول للنفط ولا للمرفأ ولا للنقل. وتزداد هموم المواطن بما يبشرونه به من رفع كلفة الاتصالات.
ويُختتم المشهد اللبناني بالإعداد للاستحقاق الدستوري النيابي الذي يتجنّب السواد الأعظم من السياسيين الخوض فيه، حتى لا يجنوا ما ارتكبوه خلال العقود الماضية.
وفي المقلب الآخر ترى لبنان المقاوم الذي حرّر معظم أرضه بقوّة المقاومة، ودون مفاوضات أو التزامات تجاه العدو، فواجهه بندّية داقاً أول المسامير في نعشه.
لبنان الذي يعي بوضوح مفهوم السيادة والمصلحة العامة وهمّ المواطن. لبنان الذي يعرف أنّ الاستقلال والحريّة والسيادة تصان بالقوّة، وأنّ الحق لا يكون حقّاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما تؤيده القوة.
لبنان هذا غير مقبول في مفاهيم الاستعمار الغربي، ويشكل مصدر قلق للصهيونيّة العالميّة وأدواتها، فتُشنّ عليه الحروب من كلّ الأنحاء وبكلّ الأشكال. وتُزرع فيه الفتن تحت شعارات شتّى. إنما لبنان هذا وصل إلى مرحلة من الوعي والقدرة تمكّنانه من الصمود وصدّ هذا الهجوم.
الهجوم الذي يستهدف الآن الاستيلاء على ثروات لبنان النفطية والغازية عبر الضغط على الحكومة اللبنانية للقبول بترسيم خط الحدود الوهميّة بين لبنان وفلسطين المحتلة عن طريق اعتماد معايير لا تخدم سوى مصلحة كيان عصابات الاحتلال وتسلب من لبنان بالمفاوضات 1480 كيلومتراً من مياهه الغني قعرها بالثروات الطبيعية.
في جنوبنا السوري ـ فلسطين يسطّر شعبنا الصامد المقاوم أروع ملاحم النضال والبطولة. صدور لا تهاب الرصاص في وجه غطرسة حاملي السلاح. هامات يضجّ فيها العنفوان والعزيمة. تقتحم طمأنينة واستقراراً حاول العدو أن يغشّ بهما أفراده، ليتفاجأوا بالذعر والقلق يدبّان في قلوبهم.
راهن الاحتلال على أجيال ولدت بعد قيام كيانه الاغتصابي، فظنّ أن تطويعها يسير وانقيادها سهل. فكان جواب أبناء شعبنا الفلسطيني البطل أنّ كلّ جيل جديد يولد هو أقوى وأصلب من الجيل الذي سبقه. فبرهن على أنه عصيّ على التطبيع، مؤمن بجذوره وانتمائه، مقدِّسٌ لأرضه وسمائه، يقاوم ويقاتل ويجاهد بما تيسّر له من أدوات وبما ابتدع وطوّر واخترع من أساليب.
سقط رهان العدو على التفريق بين أبناء شعبنا الواحد داخل الأرض المحتلة. فها هي غزة رغم محاصرتها تنتصر للعاصمة الفلسطينية القدس. وها هم أهلنا المرابطون في أرضنا المحتلة عام 1948 ينتفضون في مواجهة عصابات الاحتلال. وها هي الضفة الغربية من نابلس ـ جبل نارها إلى جنين وصولاً إلى كلّ مدنها وقراها تواجه قوات العدو يومياً غير آبهة بغطرسته أو جبروته.
أما في الأردن ـ أرض العزم، فالنشامى من أبناء أمتنا يخوضون مواجهات مستمرة في سبيل إسقاط اتفاقيات الغاز مع العدو. وتخرج التظاهرات في قلب العاصمة عمّان لتؤكد رفض شعبنا الأردني لاحتلال من نوع جديد يستهدف البلاد عبر ما سُمّي باتفاقيات المياه.
كما ترتفع كلّ يوم وتيرة مقاومة كلّ أشكال التطبيع مع الاحتلال، فكان آخرها منذ أيام انسحاب الرعاة الرسميّين لسباق رالي الباهه للسيارات الذي أقيم في الأردن، وذلك بعد الإعلان عن مشاركة عدد من حملة جنسيّة كيان عصابات الاحتلال في السباق المذكور.
وفي لؤلؤة أمتنا السورية على شاطئ الخليج، تستمرّ الكويت كما عهدناها صخرة صلبة تتكسّر عندها كلّ محاولات التطبيع وشرعنة الاحتلال على الرغم من كلّ الضغوط التي تمارَس. ففي الوقت الذي تنبطح فيه أنظمة عربية أمام الاحتلال، تبحث عن ارتكاب كلّ جريمة ترضيه، تستمرّ الكويت في زيادة تشدّدها لجهة استصدار قوانين وقرارات جديدة تكرّس من خلالها سلاح مقاطعة كيان العدو. ويسجل للرياضيّين من أبناء الكويت تخليهم عن الفوز ببطولات دولية حتى لا يمنحوا لاعبين من حملة جنسية كيان الاحتلال شرعية لكيانهم الغاصب.
أيّها السوريون القوميون الاجتماعيون،
أنتم ملح هذه الأرض، وتتحمّلون أمام المجتمع أمانة لا يقوى عليها إلا أمثالكم من الجبابرة لأنكم تملكون القوة والمعرفة، وتدركون تماماً «أنّ أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تمرّ على الأمم الحية.. فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة».
وأنتم تدركون أنّ الأمّة العظيمة تنجب العظماء الذين يفرضون على الدنيا حقّها.
سعاده شاهد على عظمة أمتكم، وعقيدتكم هي خشبة الخلاص وسفينة النجاة لكلّ ما تعانيه الأمّة.
إنّ الظروف الصعبة القاهرة الأخيرة أكّدت أنّ العروبة الوهمية أفلست، والكيانيّة أفلست كما الانعزاليّة. وألا خلاص إلّا في عقيدتكم. فالتفّوا حول حزبكم ومؤسّساته، وكونوا كما عهدكم صاحب العيد، قدوة في النضال والمناقب، تضحّون وتصبرون، وتتوقون إلى الحرية والواجب والنظام والقوة، وتملأون الدنيا حقّاً وخيراً وجمالاً.
كونوا أقوياء ليقوى بكم حزبكم. واجعلوا من حزبكم قويّاً لتنتصر به الأمة السورية وشعبها العظيم.
دوموا كما عهدناكم مفعمين بكلّ قيم النهضة السورية القومية الاجتماعية.