أنطون سعادهأولى

ركائز سعاده تستحقّ الاستحضار في يوم ميلاده

لا حاجة للتذكير بما زخرت به الحياة القصيرة لفيلسوف وقائد سياسيّ ومفكر ومؤلف اسمه انطون سعاده. استشهد وهو في عمر الخامسة والأربعين عاما، بعدما ألف كتباً ونشر محاضرات ومقالات شغلت الرأي العام وجعلته نموذجاً لعبقرية تفجّرت وهو في عمر الشباب، فبدأ ينشر أفكاره وهو في الثامنة عشرة من العمر، وأطلقت نظريات ورؤى جديدة لمعالجة إشكاليات عميقة مزمنة على الصعد السياسية والاقتصادية والفلسفية، وأسس حزباً وهو لم يبلغ الثلاثين بعدما وضع له عقيدة ونظاماً، وتحوّل بقيادته الى قوة يحسب لها الف حساب، حتى تمّ التآمر عليه من أجهزة استخبارات دولية وإقليميّة للتخلص منه، وهو في الخامسة والأربعين، وعمر حزبه لم يبلغ العشرين، فتم اغتياله بالرصاص خشية ان يتحول الحزب السوري القومي الاجتماعي الى قوة تصعب مواجهتها، ويفرض إيقاعه على الأحداث.

وضع سعاده ركائز لمدرسته الجديدة، أبرزها، نظرته لوحدة المجتمع كوعاء إنساني يرفض التمييز على أساس الدين والطائفة، وللإطار القومي بصفته المدى الحيويّ لنهوض طاقات الأمة وتبلور مصادر قوتها ووحدتها، ولمفهوم الصراع في المشروع القوميّ والمواجهة مع المشروع الاستعماريّ ومحورية المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني في مفهوم الأمن القومي، ولبناء الدولة واقتصادها على قاعدة ادارة الموارد الذاتية وتنميتها وتحصينها، وتحويل الدولة الى راع للنهوض الاقتصادي وضابط إيقاع للتوازن الاجتماعي.

بالمقارنة مع المدارس التي رافقت حياة سعاده، وقامت في أغلبها على استنساخ مشاريع وافدة ثقافياً من الخارج، وتميزت بالتطرف عنه يميناً ويساراً، بين الكيانية والقومية الرومانسية، او الاشتراكية والرأسمالية، او الطائفية والفدرالية، او سياسة الأحلاف والحياد، بقيت مدرسة سعاده أكثرها ملاقاة لحقائق الواقع، ولا تزال، حيث كل ما حولنا يقول بإفلاس النظام الطائفي وخطورة دعوات الفدرالية ودرجة الحاجة لدولة المواطنة، وبفشل الكيانية الانعزالية والقومية الرومانسية، واستحالة الانعزال عن المحيط القومي، وبشاعرية ورتابة الدعوات الاشتراكية وتوحش النظام الرأسمالي، والحاجة الوجوديّة لدولة ترعى النهوض الاقتصادي والتوازن الاجتماعي، وبسقوط الحياد وفشل الأحلاف، وحاجة الضرورة للمقاومة كمصدر قوة واداة صراع ووجود.

تكفي مراقبة ما يدور حولنا لمعرفة أن ما خسرناه مع رحيل سعاده الذي ولد في مثل هذا اليوم يستحق ان يكون خالداً، لأنه فهرس كتاب حياة نحتاجها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى