العقوبات الماليّة على روسيا قنبلة صوتيّة أم حقيقيّة؟
ناصر قنديل
– يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن العقوبات التي تم فرضها على روسيا، سواء التي طالت الأفراد او أصول المصارف التجارية وأصول المصرف المركزي الروسي والشركات والثروات الخاصة للأثرياء الروس والشركات الروسية، وصولاً لفصل روسيا عن نظام السويفت للتحويلات المصرفية الدولية، هي تطبيق لنموذج لم يطبق إلا مع إيران، وهي عقوبات شديدة القسوة ستؤدي إلى اختناق روسيا وفرض التراجع عليها في الحرب التي بدأتها على أوكرانيا.
– في التدقيق بكلام الرئيس بايدن، الذي تكرّر بتعابير مختلفة على ألسنة عدد من قادة أوروبا، وتبعته إجراءات إغلاق الأجواء، وخطوات اعتبارية مثل وقف مباريات رياضية وسواها، يبقى الأهم هو نظام السويفت، الذي يقول الأميركيون والأوروبيون أنه كذلك، وصولاً لوصف الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون له بالقنبلة النووية المالية، وبالاستناد إلى أن تطبيق هذا الإجراء على إيران كان التحول الأبرز الذي تم في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ومنح عقوباته صفة العقوبات القصوى. فالعقوبات الأخرى مؤلمة وقاسية للدولة والشركات والمصارف لجهة حرمانها من قدرة الوصول إلى أصولها واستخدامها، لكنه إجراء لا يطال الحركة اليومية للاقتصاد كحال نام تحويلات سويفت، بل هو ضربة لمرة واحدة تخرج من اللعبة الاقتصادية القدرة على توظيف أجزاء من كتلة ضخمة كانت مجمدة أصلاً تمثلها الأصول الفردية والجماعية الخاصة والعامة.
– بالقياس مع النموذج المطبق على إيران طالما أنه المثال الذي أشار إليه الرئيس بايدن، سيبقى السؤال الأساسي هو الفارق الذي تهرّب بايدن من الاعتراف بوجوده، والذي سينسف الوظيفة الرئيسية من إلغاء القدرة على التعامل عبر نظام السويفت، وهي حرمان الاقتصاد من تدفق السيولة من الخارج بالعملات الصعبة. ففي الحالة الإيرانية كان التطبيق شاملاً ونقطة البداية فيه التحويلات العائدة من بيع النفط والغاز، بينما في الحالة الروسية، وتحت شعار الفصل الاستنسابي الممنوح للدول لتحديد الحسابات التي سيتم فصلها، فقد تم تصميم العقوبات بحيث تراعي حاجة الدول الأوروبية لتأمين تدفق النفط والغاز الروسي إلى أسواقها، وكان هذا شرط حصول التدبير على الإجماع، ومعلوم أن النفط والغاز يساهمان بتدفق 160 مليار دولار سنوياً على روسيا، ومجرد بقاء هذه النافذة مفتوحة في ظل سعي أوروبي لتخزين النفط والغاز وسعي روسي لبيع المزيد بإغراءات سعرية شرط الدفع الفوري، في ظل ارتفاعات خيالية للأسعار سيكون بمستطاع روسيا تجميع مبلغ يعادل نصف احتياطيّاتها المجمدة خلال سنة، اي ما يقارب 300 مليار دولار، بل إن بقاء هذه النافذة أملا بإغلاقها تدريجيا او لاحقا سيجعل قرار الإغلاق بيد روسيا، بمجرد اكتمال عدة نقل الكميات المنتجة من النفط والغاز الى السوق الصينية بواسطة الناقلات العملاقة بانتظار إنجاز خطوط الأنابيب المتجهة شرقاً بدلاً من التوجه غرباً، بينما سيبقى صعباً الى حد الاستحالة على أوروبا استنفاد الوقت في تأمين بدائل للمصدر الروسي، لأنها ستبقى أعلى كلفة، ودون مستوى تأمين الحاجات المطلوبة.
– بالقياس أيضاً مع النموذج المطبق مع إيران، يتجاهل الرئيس بايدن عمداً، ولا يسأله الصحافيون الثائرون بغضب عنصري، الذين يتوه عن بالهم ما يفرضه واجبهم المهني، يا سيادة الرئيس عادة يتم اعتماد النموذج الناجح، وانتم عدا عن أنكم تقومون بتفخيخ العزل عن نظام السويفت وجعله إعلامياً عندما يبقى صالحاً لتغطية سداد مشتريات النفط والغاز، تتحدثون عن تطبيق نموذج فاشل، فها أنتم تفاوضون إيران على رفع العقوبات وفي طليعتها الفصل عن نظام السويفت، فيما تعترفون بأن إيران لم تغير مواقفها، ولا تغير نظامها، فإذا كان تطبيق الأكثر على الأضعف قد أصيب بالفشل، فكيف للمنقوص والأقل أن يحقق النجاح مع الأقوى والأشد اقتداراً؟
– الواضح أن واشنطن ركبت أعلى خيلها، وهذا سقف ما تستطيعه مع أعلى قدرة على تحمل الآلام والأوجاع التي سيسببها استخدام السلاح النووي المالي في سوق الطاقة، والواضح أنه بالتوازي تتم تعبئة حملة بيضاء كاثوليكيّة إنجيلية صليبية، على الشرق الأرثوذكسيّ الأبيض والشرق البوذي الأصفر والشرق المسلم الأصفر، ويقسم العالم إلى نصفين، شرق وغرب، ويجد الصهاينة موقعهم الطبيعيّ كامتداد غربي في هذه الحرب، والواضح انه يتمّ شحن المال والسلاح والمرتزقة والمتطرفين إلى حدود أوكرانيا، كما تم شحن الحملات الصليبية الى فلسطين قبل ألف عام، وكما كان البحث عن «دولة لليهود المساكين ووطن يأويهم»، يجري الحديث عن حماية «دولة الشقر ذوي العيون الزرق».
– يدرك الغرب أن الحديث عن مفعول سحري للعقوبات ليس إلا كذبة، فهو يعرف حجم تأثيرها ومفعولها ونواقصها، لكن للكذب وظيفة تعبوية ونفسية، على ضفتي الحرب، فيذهب السذج والبسطاء ضحية البروباغندا، والهدف التفاوضي يبقى هو الأصل، ومنصة التفاوض لم يتم إنشاؤها عبثا، ولو أنها لن تنتج سريعاً، لكنها ضرورية لقياس على مدار ساعات الحرب لما تتيحه موازين القوى من نتاج في السياسة، وأوكرانيا التي فقدت بغباء قيادتها فرصة الحياد والفدرالية، التي يعارضها كحل في أوكرانيا أصحابها في لبنان، فيدعمون بحماسة وحدة أوكرانيا ومقاومتها وحقها بالانضمام إلى الأحلاف، وهم يصرّحون صبح مساء بعدائهم للمقاومة في لبنان، في علامة على حجم النفاق من فوق الى تحت في هذا العالم المركب على الخداع البصري، والعبث بالعقول واستثارة الغرائز.