لماذا لجأ حزب الله إلى التهديد؟
منذ بدأت المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية وحزب الله يلتزم الصمت تجاه النقاشات الداخلية الدائرة حول الخطوط الواجب اعتمادها بين الخطين 23 و29، وحول توقيع أو عدم توقيع مرسوم تعديل الخط السيادي اللبناني الموثق لدى الأمم المتحدة، وكان السبب أبعد من الموقف المبدئي الثابت للحزب والمقاومة التي يمثلها، القائم على عدم الاعتراف بوجود كيان الاحتلال والتفاوض معه على حدود فلسطين المحتلة، فكانت ثقة الحزب بأن الأمور تسير كما يجب على المسار التفاوضي، وأن لا قلق من وقوع أي خطأ يؤدي إلى إضعاف موقف لبنان التفاوضي.
ثقة حزب الله بالمواقف الرئاسية المعنية بملف التفاوض لم تتغيّر، لكن تقييمه لمصادر الخشية على قوة الموقف اللبناني دخلت عليها معطيات عن قراءة إسرائيلية تقول بأن الضغوط والوعود الأميركية خلخلت التماسك اللبناني القائم على التمسك بالخط 23 كخط لا مساومة عليه والخط 29 كخط تفاوضي، وأنه بدلاً من اضطرار المفاوض الإسرائيلي الى البحث بالتفاوض على صيغة تسوية بين الخطين 23 و29، يمكن دفع لبنان لقبول التفاوض على خط يشبه خط هوف بوقوعه بين الخطين 1 و23 ولو منح لبنان المزيد من المساحة التي كان يقترحها خط هوف، وظهرت ملامح هذا الحساب الإسرائيلي بالتلاعب بالأوراق المقدمة للأمم المتحدة وكانت رسالة الاحتجاج اللبنانية الرسمية التي حذرت من قيام «إسرائيل» بالاستثمار أو التلزيم لأي من الحقول الواقعة شمال الخط 29 وخصوصاً حقل كاريش، وظهور مؤشرات على مفاوضات تجريها وزارة الطاقة الإسرائيلية لمعاودة العمل على الاستثمار في هذا الحقل.
التزام الحزب ومن خلفه المقاومة بحماية الموقف السيادي وفقاً لتوثيق الدولة اللبنانية لهذا الحق لا تزال هي المرجعية القانونية المعتمدة من الحزب والمقاومة. وفي السابق كان التوثيق يقوم على اعتبار الخط 23 حداً سيادياً للحقوق اللبنانية ومن ضمنه البلوك رقم 9 فأعلن الحزب والمقاومة الاستعداد لاستهداف منصات التنقيب الإسرائيلية اذا اقتربت من هذا البلوك أو حاولت منع شركات التنقيب التي يقوم لبنان بتلزيمها من العمل فيه، وبعد الرسالة الرسمية اللبنانية التي تحذّر من أي استثمار في ما أسمته بالمناطق المتنازع عليها، ومنها حقل كاريش، المذكور بالتحديد في الرسالة، وجد حزب الله والمقاومة الحاجة ملحّة لتذكير الإسرائيليين بأن المقاومة حاضرة ولا يمكنهم البناء على أوهام الكلام لاستخلاص استنتاجات خاطئة.
ربما تكون رسالة التهديد الصادرة عن الحزب والمقاومة، وبلسان النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة وأحد أبرز القياديين المؤسسين للحزب، لما لكلامه من جدية وما يتصف به من دقة، ومن موقع ما يمثل الحزب في مجلس النواب كمؤسسة دستورية، لمنع أي استثمار في المناطق المتنازع عليها، ومن ضمنها حقل كاريش، ذات مفاعيل إضافية لشد العصب الداخلي الذي أصابه بعض الوهن من خلال بعض التصريحات المستعجلة للتضحية بالخط 29 قبل أن يصل التفاوض الى خواتيم تحفظ الحقوق اللبنانية وفقاً لإجماع مؤسسات الدولة اللبنانية الدستورية، التي لا تصبح ثمرة أي تفاوض شرعية دون موافقتها.