هل تسرع بوتين بإعلان التأهب النوويّ؟
ناصر قنديل
– أعلن رؤساء دول حلف الناتو تباعاً، وفي مقدّمتهم الرئيس الأميركي جو بايدن، استغرابهم لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأهب النووي، بعدما أعلنت دول الغرب حزمة العقوبات التي استهدفت روسيا، وفيما وصفها بعضهم بالاستفزاز والتصعيد غير المبرر، ذهب البنتاغون للتشكيك بالصحة العقليّة للرئيس بوتين. وأجمعت المقالات التي تصدرت صحف الغرب على التساؤل عن مبرر القرار الروسي بتفعيل سلاح يعرف سلفاً أنه لا يمكن استخدامه، ليصف بعضهم ذلك بالسعي لربط الحرب في أوكرانيا بالتفاوض على الأسلحة الاستراتيجية، ويرى آخرون أن الأمر تعبير عن العجز أمام فاعلية سلاح العقوبات القصوى التي فاجأت بوتين، ونتيجة الذعر الذي تسببت به في أوساط البنوك والشركات الروسية وبين المسؤولين عن الأوضاع المالية في إدارة الرئيس بوتين.
– تقول المصادر الروسية إن سيناريوات الحرب التي ناقشتها القيادة الروسية وطوّرتها وعدلتها مراراً منذ عام 2014، ليس أسوأ احتمالاتها أو أصعبها ما حملته العقوبات، بل كانت ضمنها فرضية دخول الناتو على خط الحرب، ووضعت الخطط اللازمة التي ستدبّ الذعر أكثر في الغرب إذا تم الكشف عنها، وأن هناك ثلاث فرضيات على الأقل أشد قسوة من فرضية العقوبات، وأنه ضمن فرضية العقوبات ثمة عدة سيناريوات، تعبر النسخة التي ظهرت منها النسخة الثانية بعد النسخة الأشد قسوة، التي تتضمن الإقفال التام لنظام السويفت بوجه كل التعاملات التجارية لروسيا بما فيها النفط والغاز، وأن الرئيس بوتين في المناقشات التي جرت حسم بوضوح الخطط التي وقع عليها الاختيار، والتي بدأ العمل عليها منذ العام 2018، حيث تمّ رفع احتياطيّ العملات والذهب للمصرف المركزي خارج المصارف والعملات الغربية، ولذلك تملك موسكو اليوم أكثر من نصف احتياطاتها بالذهب والعملات، أي ما يعادل 350 مليار دولار، ما يساوي كامل الاحتياط تلك الأيام، خارج نطاق العقوبات، وتستطيع التصرف به بكامل الحرية.
– تؤكد المصادر الروسية أن الغرب يعرف الرئيس بوتين جيداً، وهو مذعور من خطواته، ومن حجم حضوره الذهنيّ وتوقد ذكائه، وهذا لا يغير فيه بث الألاعيب السخيفة إعلامياً أملاً بالإزعاج، لأنها لا تغير شيئاً في الواقع، لأن قادة الناتو وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الآتي من خبرة تاريخية في الاشتباك مع روسيا، يعلمون أنهم وهم يخافون دخول الحرب، وقد كان خيار الحرب الخيار الأفضل لهم من خيار عقوبات تعادل الحرب، كما ستكشف الأيام، وكما ظهر من الدراسات الافتراضيّة التي نوقشت في موسكو خلال سنوات. فالقيادة الروسية تعتبر العقوبات بصيغتها الراهنة إعلان حرب، وهذه رمزية إعلان التأهب النووي، التي ستتضح أكثر عندما يقوم الرئيس بوتين بشرحها بالتفصيل في التوقيت المناسب، ويقدم أسبابها الموجبة مع تبعاتها التالية، لكن بعد أن تكون الحرب بدأت تحقق أهدافها الميدانية، ضمن مهلة الشهر المقدّرة لها.
– عن سبب اعتبار العقوبات بصيغتها الراهنة إعلان حرب تقول المصادر الروسية، إن موسكو تستطيع فهم اعلان طلاق دولي مالي واقتصادي، وحتى سياسي ودبلوماسي، وربما رياضي واجتماعي، والذي يجري ليس كذلك رغم بشاعة مظهر توريط الاتحادات الرياضية الدولية والهيئات الاجتماعية بمظاهر تمييز عنصريّ مقرفة، لكن الطلاق يبقى خياراً ممكن الفهم، ومن شروطه أن يأتي المعنيون خصوصاً في الشؤون المالية ويقولوا لا نريد التعامل معكم فتعالوا نقوم بتصفية الشراكات، وسداد الديون وإقفال الحسابات، ووضع العقارات والأصول في المزادات للبيع، واقتطاع المتوجبات الضريبية، فخذوا أموالكم وارحلوا، ونفعل معهم بالمثل، لكن الذي جرى هو عملية سطو موصوفة بذريعة سياسية، فأي قانون يسمح بوضع اليد على ثروة وضعت في حساب مصرفي لم يرتكب صاحبها أية مخالفة، ويعاقب على جنسيته، وعند فتحه للحساب ووضعه لأمواله، كانت تفتح له صالونات الشرف وتقدم له الإغراءات، وإذا كان ما يخص الدولة الروسية شأن يخصها وتتحمل تبعاته، فإن ما يخص المواطنين الروس والمصارف الروسية والشركات الروسية التي لا شأن لها بالسياسة وتعاقب على حمل الجنسية الروسية، فإن الدولة معنية بتحصيل شرفها والانتقام لكرامتها، في حرب أرادها الغرب وخاضها بجبن لأنه يخشى الحرب المباشرة، وما يقوله التأهب النووي للغرب، هو أنكم أشعلتم الحرب التي كنتم تفترضون انكم قمتم بتفاديها، فماذا بعد؟
– لا تجيب المصادر الروسية على السؤال، الا بالقول إن الأيام المقبلة ستحمل الجواب، وكأن موسكو تقول لقادة الغرب، لن تنجوا بفعلتكم، فالحرب مقبلة، فاستعدوا لملاقاتنا، ونحن لم نصنع سلاحاً نووياً للزينة، ولا أنفقنا على تصنيعه وتخزينه أموال المواطنين الروس لتتم إهانتهم وسرقتهم ونتفرج، فإن لم تتم إعادة الحقوق لأصحابها على الغرب الاستعداد للحرب ربما، لكن بعد أن يكون خسر فرصة أن يخوضها تحت سبب معنويّ يمنحه العزاء وبعض الكرامة، كما لو أنه خاضها تحت شعار الدفاع عن أوكرانيا وضمّها لحلف الناتو، وحق الناتو بضمّ مَن يشاء من الدول الراغبة.
– المعادلة هي أن موسكو والرئيس بوتين لا يريدان الحرب، لكنهما لا يخشيانها، فعلى الغرب الذي يريدها ويخشاها أن يخشاها أكثر.