بوتين يخطّط لإسقاط المنتصرين في الحرب العالميّة الثانية…
محمد صادق الحسيني
قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أحد تصريحاته حول ما يحري في أوكرانيا ما يلي:
بوتين أثبت نفسه كقائد «ذكي» وقادتنا أغبياء للغاية.
لم تختبروا حجم ذكائه بعد فهو يلاعبكم باستراتيجية الفخ داخل الفخ فيشعركم أنه وقع في الفخ الذي نصبتموه أنتم بينما هو يستدرجكم الى فخه غير المرئيّ.
مجموعة «بريكس» باتت تملك اليوم ذريعة إطلاق عملتها الموحّدة وبنكها الدولي.
ليس هذا رأي جمهور النخبة الأميركية ولا المنبهرين بسياساتهم او المراهنين على ذكائهم..
فثمة وزير خارجية مشرقي كتب معلقاً على الواقعة بشكل مختلف تماماً عندما اعتبر انّ الأميركي قام باستدراج بوتين الى حفرة عميقة لن ينجو منها بسهولة، فكتب الوزير صاحب اللغة الانجليزية الأميركانية قائلاً:
إنه ليس من العقل ان تواجه الدب بالاصطدام به مباشرة فهو قادر على تحطيمك، بل الذكي هو مَن يجرّه الى فخ الوقوع في حفرة المواجهة لإشعاره انه المنتصر، ومن ثم تغرقه في شباك تلك المواجهة. وهذا ما فعله الغرب ببوتين…
ثمة من استحضر مقال كيسنجر عن أوكرانيا في العام ٢٠١٤ الذي تحدّث مطولاً عن هذا النفس وهذا النهج معتبراً انّ الحل يكمن في «ترك أوكرانيا تختار معسكرها وسياساتها دون ابتلاع روسيا لها ولا ضمّ الناتو اليها بالقوة…
كلا المنظرَين التلميذ المهذب الأول، وأستاذه المتذاكي الثاني تقوم مقاربتهما على مبدأ أنّ سيد العالم هو الولايات المتحدة الأميركية، وأنّ ديمقراطيتها وخياراتها السياسية هي العنوان، والأهمّ من ذلك أنّ المطلوب في وقت انطلاق لهيب المعارك دون إذن واشنطن وخلافاً لمصالحها ان يلبس قادة أميركا وأذنابها وتلامذتها والمراهنون عليها القفازات الحريرية وإظهار أنفسهم بأنهم المعادون للحرب والكارهون لها والمتعاطفون مع خيارات الشعوب الطامحة للحرية!
ما يجري في أوكرانيا من مواجهة محتدمة في الميدان تتلخص في جوهرها على الشكل التالي:
في إطار حشد واشنطن الاستراتيجي ضدّ روسيا كبلد ونظام بوتين السياسي كانت تخطط دوراً لأوكرانيا أن تكون بمثابة الخنجر الأخير والمنصة الأكثر قرباً لأبواب موسكو وأسوار الكرملين، الذي كان سيخرز في قلب الاتحاد الروسي لتفتيته ومن ثم جعل أوكرانيا منصة تشبه تركيا ليتدفق من خلالها كلّ أنواع المقاتلين والأسلحة لتدمير روسيا الآسيوية وفصلها عن أجزائها الأوروبية…
فالغرب عموماً وأميركا بشكل خاص لم يكونا ليطيقوا روسيا أوروبية، ولم ينظروا اليها عبر التاريخ القديم والحديث الا مساحة للتوسّع والغزو، ولم ينظروا اليها في كل ّحوادث التاريخ إلا طعمة ينبغي تسهيل ابتلاعها. بل انّ حروباً كثيرة خيضت ضدّها كان الهدف دائماً شطبها من الخريطة!
وآخر حرب خاضها الأوروبيون كانت من قبل الرايخ الثالث الألماني كانت تهدف في ما تهدف الى القضاء عليها.
في نظرة اولية الى نوع الاصطفاف الجاري نستطيع جيوسياسياً من حول روسيا نرى أشبه بنوع من إعادة إحياء الرايخ الثالث من حكم كييف النيونازي الى بولندا النازية في العمق الى ألمانيا التي تحنّ الى سائر القوى المتحالفة ميدانياً مع حكومة كييف، ولكن دائماً بقيادة الأميركي غير المستعدّ لا لخوض المواجهة المباشرة ولا لدفع أثمانها، إنما بالتأكيد ليخرج منها الظافر الوحيد وقاطف النصر كما فعل في الحرب العالمية الثانية بعد أن تكون قد ضعفت أوروبا وتفككت أيضاً!
لكن استعدادات بوتين السياسية والاستراتيجية ومجمل التحالفات التي نسجها منذ مدة حول العالم وآخر ما يشبه الوحدة مع الصين الشعبية أحبط ولا يزال يفتت جبهات خصومه ولا يكاد يجعلهم يستريحون في أيّة محطة.
والأهمّ من كلّ ذلك أنه خرج عليهم على قاعدة… والله ما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا.
انه قرّر عملياً تحويل أوكرانيا الى منصة مضادة، ايّ عكس ما أراده الغرب لها وخوض المعركة الأكبر والأهمّ في العالم، أيّ استكمال ما حصده مع تحالف محور المقاومة في سورية وخوض مواجهة تحالف المنتصرين في تلك الحرب على المستوى الإقليمي الى حرب كسر الأحادية الأميركية على مستوى العالم.
وهكذا ستكون نتائج العملية الجراحية الأوكرانية على يد الجيش الروسي نقطة تحوّل في خريطة العالم الجديد.
ولن يفيد الغرب المهزوم من واشنطن الى النورماندي، صريخه وعقوباته ولا حتى تأهّب قواته.
الروسيّ مستمرّ في القتال والمواجهة السياسية على المسرح الأوكراني لتحقيق ما يلي:
1 ـ نزع سلاح أوكرانيا الاستراتيجي.
2 ـ استسلام أوكرانيا النيونازية وإعادة تشكيل السلطة فيها من جديد.
3 ـ إعلان حيادها الكامل.
وبعد ذلك سيتفرّغ لخطط الناتو حول التوسّع شرقاً بهدف، إخراجه من أوروبا الشرقية، ما يعني خسارة أميركا هيمنتها على أوروبا أيضاً، وإعادة تشكيل أوروبا جديدة خارج ارادة وهيمنة واشنطن.
وهذا يعني خسارة أميركا للمعركة الكبرى على قيادة العالم وتحوّلها الى امبراطورية هرمة عجوز كما حصل لبريطانيا بعد حرب السويس.
في هذه الأثناء الاستعدادات جارية على قدم وساق بين الدول وارثة الإمبراطوريات الكبرى الصينية والروسية والإيرانية للتصدّي لإعادة صياغة العالم من جديد.
وهذا هو ما يشير إليه دونالد ترامب كما ورد في بداية المقالة، وهو ما تدركه أوروبا العجوز أيضاً وتهابه كثيراً، لكنها تكابر وتجبن أمام تحدّي واشنطن لها.
عالم ينهار ويأفل نجمه وعالم ينهض ويتقدم بثبات.