ترسيم الحدود البحريّة: لبنان قويّ.. لا تضعفوا
ناصر قنديل
– في حروب ترسيم الخرائط الممتدة على مساحة العالم، لبنان ليس بعيداً، ولا حاجة للبحث عن البوصلة، فهي كانت وستبقى في ترسيم الحدود البحرية، حيث الأميركي والإسرائيلي حاضران بقوة، وحيث المقاومة حاضرة بقوة، وحيث سورية وروسيا وفرنسا وإيران وتركيا، إضافة لأميركا، أطراف غير مباشرة في كل ما يتصل بمعارك الغاز والطاقة وشبكات الأنابيب والأسواق، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل الارتباط الوثيق بين التحريك المتسارع لملف التفاوض من قبل الأميركيين وبين تزاحم الاستحقاقات الدولية والإقليمية، خصوصاً التي تتصل بحرب الغاز التي تتخذ عنواناً آخر اسمه أوكرانيا، ومفاوضات الغاز التي تتخذ عنواناً آخر اسمه الملف النووي الإيراني.
– كل دول العالم تبحث في هذه الحروب الكبيرة والصغيرة عن مصالحها، وترسم سياساتها على أساسها، ولبنان للأسف إما مذعور بلا سبب للذعر، أو مجامل لحد النفاق بوهم التزلف والاسترضاء بلا سبب. فمصلحة لبنان قبل الحديث عن موازين القوى وفرص الفوز بتحقيق المصلحة، هي مصلحة واضحة، بنيل أوسع مساحة ممكنة من المدى البحري الممتد حتى الخط 29 والذي يشكل حقل قانا أحد أبرز حقوله الواعدة. وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره. ومصلحة لبنان هي الوصول سريعاً لبدء استخراج الثروات للاستفادة المبكرة التي تفرضها حاجاته الحيوية والمصيرية في مواجهة حال الانهيار، والاستفادة المبكرة من الحاجات الاستثنائية التي تعيشها الأسواق والدول، ومصلحة لبنان أن يكون ضمن حلف لتصدير الغاز يضمه مع سورية وروسيا، ولا مانع بأن يضم فرنسا ومصر شرط ألا يضمّ “إسرائيل”، كما هو حال الأنبوب الذي يرعاه وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو.
– السؤال حول فرص تحقيق هذه المصلحة ما تتيحه موازين القوى، تجيب عليه وقائع تتصل بركيزتين واضحتين، الأولى هي قوة المقاومة وحضورها. وهذه الركيزة التي جلبت الأميركي للوساطة وفرضت على الإسرائيلي التفاوض. والثانية هي أزمة الغاز المتفاقمة في العالم والتي تجعل الأميركي مستعجلاً والإسرائيلي مستعجلاً أكثر، وبدلا من أن يتساءل بعض المسؤولين اللبنانيين عن كيفية استرضاء الأميركي، عليهم أن يفهموا أن المرحلة تتيح للبنان رفع سقف طلباته والتصرف بلغة القوي، وأنه إن فعل ذلك فسيجد أن الأميركي مضطر لأخذ طلباته بالإعتبار طلباً للوصول إلى اتفاق في أقرب وقت.
– يأتي المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بعدما سبقته ورقة مقترحاته، فيما الحكومة تهدر ماء وجهها في الحرب الأوكرانية لاسترضاء الأميركي، وتتموضع بطريقة غريبة عجيبة لا تشبه لبنان الذي كان قبل أيام يتغنى قادته بحياده، ويدعون لتكريسه نهجا مقوننا على الصعيد العالمي، فتنقلب الآية عندما يصير الأميركي هو المتضرر من حياد لبنان. والسؤال هل يمكن للبنان تسويق الغاز بعد التنقيب في أنبوب مشترك مع “إسرائيل”، وهل يمكن للبنان أن ينال بالتذلل للأميركي حقوقاً، بما في ذلك ما يتصل بصندوق النقد الدولي، أم ان القضية تتصل بحسابات ترسمها العقوبات فقط؟
– لبنان قويّ وقادر على فرض مصالحه، والعالم في حال تسابق، وموقع لبنان يتيح حجز مقعد فاعل في مفاوضات الغاز، ومن خلفها أسواق الغاز، وحسابات القوة تبدأ بالمقاومة وتنتهي بالإجابة عن سؤال حلفاء الغاز!