أولى

نموذج الحرب الرديفة مجدداً

– يعترف الأميركيون، ومعهم الأوروبيون مجدداً، بعجزهم عن خوض الحرب التقليدية بجيوشهم، فهذا الاعتراف الذي حملته واقعة سحب الأساطيل الأميركية التي جاءت مدعومة بمدمرات فرنسية وبريطانية صيف العام 2013 لبدء حرب على سورية، انسحبت لأن تقدير الموقف العسكري وصل لاستنتاج صاغه الجنرال كلينت ديمبسي، مفاده ان الحرب قد تتحول الى حرب إقليمية كبرى تستهدف خلالها “اسرائيل” من قبل حزب الله، وتشترك فيها إيران، وقد تصبح حرباً عالمية تشارك فيها روسيا. واليوم تقول الحرب في أوكرانيا التي تدور عملياً بين روسيا من جهة وأميركا وشركائها الأوروبيين من جهة مقابلة، على مستقبل الأمن الأوروبي وخرائط العالم الجديد، إن الغرب لجناحيه الأطلسي والأوروبي يسلم بعجز جيوشه عن خوض الحرب، للأسباب ذاتها، ويعلن صراحة، لا نريد التورط في حرب مع روسيا، التي يحاربها بطرق أخرى، لكنه يقصد لا نريد توريط جيوشنا بهذه الحرب لأننا نخشاها.

– الطرق الأخرى هي ذاتها التي تم اختبارها في سورية، لكن مع الرهان على فارق الإمساك بورقة الشرعية التي تمثلها حكومة كييف، وبكتلة شعبية أوكرانية صلبة تساند الرئيس والجيش في أوكرانيا، مماثلة للكتلة السورية التي أيدت الرئيس السوري والجيش السوري، وفي الاعتقاد الأميركي أن اختبار الحرب الرديفة في أوكرانيا بتعديل النموذج الذي تمّ اختباره في سورية بالاستفادة من عناصر القوة السورية، أي الشرعية الدستورية والجيش والشعب، يمكن أن يغيّر في النتائج، بالإضافة لما يقدمه القرب من الحدود الأوروبية من استنهاض لقدرات وامكانات أوروبية يمكن زجها في هذه الحرب.

– عاملان جديدان بالمقابل سيعطلان الإيجابية التي يمنحها للأميركي الرهان على الشرعية والجيش والشعب، الأول هو حجم القرب من الحدود الروسية ودرجة الاستهداف، ما سيجعل الشراسة الروسية على مستوى القيادة والشعب والجيش عالية ووجودية، وبمقارنة الأحجام والقدرات سيصعب أن تترك عناصر الحضور الأوكراني المختلفة أثراً نوعياً على المدى المتوسط، رغم ما تبدو عليه أهميتها في المدى القصير، والثاني هو أن خيار الحياد الذي عرضته موسكو منذ بداية الأزمة على أوكرانيا وأميركا وتم رفضه، يمنح موسكو تفوقاً معنوياً سيبدأ بالظهور كعامل تأثير في المناخ الشعبي الأوكراني كلما بدت الحرب انتحاراً طوعياً لأوكرانيا في خدمة سياسة أميركية قائمة على رفض قبول أوكرانيا في الناتو، وكان يكفي تقديم تعهد أوكراني بعدم الانضمام لتفادي هذه الحرب.

– شيئاً فشيئاً سيتفكك البعد الأوكراني ويزداد الاعتماد على الجيش الرديف الذي يمثله المرتزقة والمتطوّعون، وربما تصبح مناطق غرب أوكرانيا نقطة جذب كل الجماعات الإرهابية المتطرفة في العالم، الإسلامية والمسيحية واليهودية، إضافة للمرتزقة، وها هي ألمانيا تكشف عن توجّه مئات النازيين الجدد من حاملي الجنسية الألمانية الى أوكرانيا عبر بولندا، وستكون بمثابة فرصة لروسيا للتخلّص من هذه الجماعات، تماماً كما جرى في سورية مع بعضها.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى