تروماتزم
إبراهيم سلامة، الكاتب الفلسطيني الكبير، كتب ذات مرة في مجلة «الحوادث» اللبنانية فقال، انّ الشعب اليهودي يعاني من مرض نفسي جماعي إسمه البارانويا، حيث يقنع نفسه بأنه مضطهد وأنّ شعوب الأرض تضطهده وتكرهه لأنه متفوّق، أمًا الشعب الفلسطيني فهو يعاني من مرضين نفسيين جماعيين، وهما الماسوشية، أيّ استعذاب تعذيب الذات، والتروماتزم، أيّ التشتت الذهني.
أما في ما يتعلق بالماسوشية وحب تعذيب الذات فتلك مسألة قابلة للجدل، وقد يُختلف فيها وقد تحتاج إلى قدرٍ من التمعّن. أما التروماتزم، أيّ التشتت الذهني، فإنني أبصم بالعشرة أنّ إبراهيم سلامة كان محقّاً وسديد الرأي، 74 عاماً منذ الاحتلال الصهيوني لأرضنا وإنشاء دولة الاحتلال على حساب وجودنا ولا زال ما يدّعى بقيادات الشعب الفلسطيني يتجادلون ويتناقشون على الكيفية الناجزة لإزالة الاحتلال، فبعضهم يرى بالمقاومة السلمية سبيلاً لذلك، وآخرين يعتقدون بأنّ السبيل الوحيد هو المقاومة الشعبية، ومجموعة اخرى تعتقد بأنّ المقاومة المسلحة هي الطريقة الوحيدة، طار 90% من فلسطين والمستوطنات تقطّع أوصال الضفة الغربية، والتهويد يجري على قدم وساق، والقدس تضمّ الى كيان الاحتلال وتعلن عاصمة له، والشعب يقتل يومياً، والبيوت تهدم على رؤوس أصحابها، والأذان يُمنع في بلادي، ومجرد حمل العلم الفلسطيني يعاقب عليه حامله، والحرمات والمقدسات تنتهك يوميًا، والمستوطنين يزدادون تغوّلاً وعدوانية، وما كان يدعى بمشروع الدولتين أصبح في خبر كان، والمفاوضات العبثية ثبتت عبثيتها، وثبت أنها كانت لإضاعة الوقت فقط ولتمكين المحتلّ من الأرض، ثم دخلنا في مرحلة تفريغ الأرض بعد الإمساك بها، وما زال ما يدعى بالقيادات الفلسطينية يتجادلون ويتناظرون في ايّ الطرق وأيّ النهج هو الأفضل والأسلم والأكثر نجاعة للتصدي للمحتل، شاهت الوجوه وبئس القيادات، شعب اليمن وقياداته لم يفكروا لحظة واحدة حينما وقع عليه العدوان، وطفق يقاتل منذ اللحظة الأولى بغضّ النظر عن موازين القوى، فالعدوان والقتل والتغوّل لا يقابل إلا بالقتال والكثير من القتال، حتى إزالة الاحتلال والعدوان، نقطة ومن أول السطر…