الإعلام وتوظيفه في سياق الحروب سورية وأوكرانيا نموذجاً…
} د. حسن مرهج
إلى جانب الحروب العسكرية والسياسية والاقتصادية، باتت الحرب الإعلامية سلاحاً له تأثيرات غاية في الأهمية، فالإعلام في هذا الإطار، أصبح أداة من أدوات الحروب وإدارتها، وله فواعل عديدة لجهة الحشد وتجييش الرأي العام، فضلاً عن دور الإعلام في صياغة ماهية الحرب النفسية، وما يتصل بها من إضعاف الروح المعنوية للشعوب أو الجيوش على حدّ سواء، ونتيجة لذلك، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بات الإعلام من أكثر أدوات التأثير، وبات يُصنّف ضمن أطر حروب الجيل الخامس، وما حدث من حروب في الشرق الأوسط، أو غيرها من الساحات الإقليمية والدولية، يؤكد بأنّ سلاح الإعلام، فاقت تأثيراته جُلّ مستويات الحروب، الأمر الذي تلقفته كبريات وسائل الإعلام، ووظفته في خدمة الأجندة الغربية والأميركية.
ضمن ما سبق، فإنّ الحروب في سورية والعراق وليبيا، واليوم في أوكرانيا، تمثل تجسيداً واقعياً لاستغلال الإعلام، وتوظيفه كوسيلة رئيسية، للعمل في سياق واضح ومحدّد، لجهة قلب الحقائق والوقائع، والتحريض على المدافعين عن بلدهم والدول التي تدعمهم، مقابل المُعتدين واجنداتهم.
في الحرب الروسية الأوكرانية، ركزت كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية، وكذا المواقع الإلكترونية، على تشويه صورة روسيا، والتشكيك في سياساتها وأهدافها الاستراتيجية، وحتى دوافعها الحقيقة تجاه أوكرانيا، وبدت شبكات إعلامية ضخمة مثل «سي أن أن» و»فوكس نيوز» و»نيويورك تايمز»، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية والأميركية، وكأنها تقود حملة منظمة للنيل من روسيا، وشحن الرأي العام العالمي ضدها، وتشويه الغاية الحقيقية للحرب ضدّ أوكرانيا.
وفي ذات الإطار، فإنّ تفاصيل الحرب على سورية، تضمّنت ذات السياسات الإعلامية التي واكبت الحرب الأوكرانية، والعمل في سياق تشويه صورة الدولة السورية وحلفاؤها، لجهة قتل المدنيين، وتدمير منازلهم، وغيرها من الممارسات التي ترقى لمستوى جرائم الحرب، متجاهلين ممارسات الفصائل الإرهابية، وذبحهم للمدنيين، فضلاً عن تدمير ممنهج للبنى التحتية في سورية، ويمكن القول صراحة ضمن ذلك، بأنّ غالبية الصحف ووسائل الإعلام الغربية والأميركية، كانت بمثابة المنبر المفتوح لإصدارات الإرهابيين، والترويج لسياستهم.
ضمن ما سبق، يُفهم أنه يأتي ضمن سياق السياسة الأميركية والغربية، لتشويه صورة روسيا وحلفائها الإقليميين والدوليين، لإخراج موسكو من دائرة التأثير، وإضعاف دورها الفاعل والمؤثر، وضمّها لصفوف الدول المارقة، خاصة أنّ روسيا أظهرت تحدياً للسياسات الأميركية والغربية، وباتت قطباً موازياً للولايات المتحدة، سياسياً وعسكرياً.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مزاعم انتهاج الإعلام الغربي لمعايير النزاهة والموضوعية والحيادية، في تغطياته للحروب، إلا أنّ الواقع يؤكد، بأنّ الإعلام الغربي والأميركي، أظهر انحيازاً واضحاً في التعامل مع مجريات الحروب، وتبني رأياً واحداً يتماهي في المضمون والأهداف، مع السياسات الأميركية والغربية، واستبعاد أيّ رأي حاول عرض الأمر من وجهة النظر الروسية، من حيث أسباب ودوافع ومبرّرات هذه الحرب والتي يتحمّل الغرب بالتأكيد جزءاً من مسؤولية إشعالها من خلال عدم النظر بجدية في تهدئة مخاوف روسيا من تمدد الناتو شرقاً.
الحروب في سورية وأوكرانيا، أكدت من جديد حقيقة أنّ الإعلام بات سلاحاً فعّالاً يمكن توظيفه لقلب موازين القوى، وأنه أصبح أحد أهمّ أدوات الاشتباك الجديد بين الدول، ليتجاوز بكثير دوره التقليدي باعتباره وسيلة لنشر الأخبار أو تسليط الضوء على قضية إنسانية أو أمنية فقط، وإنما هو رأس الحربة في إدارة الحروب والأزمات السياسية بين الدول. كما كشفت الحرب غياب المصداقية لصالح التهويل والإثارة.