نصرالله وخريطة طريق لبرنامج انتخابيّ بفقرة واحدة؟
ناصر قنديل
– خلال مجموعة من إطلالاته قدّم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ما يمكن أن يشكل جمعه فقرات لبرنامج متكامل لحل أزمة الطاقة في لبنان، بكل فروعها وقطاعاتها. ونظراً لمحورية قطاع الطاقة في عناوين كبرى، يمكن توقع نتائج تبني خطة من هذا النوع من حزب بحجم حزب الله، فقطاع الطاقة، من جهة متصل بالاقتصاد بصفته قطاعاً حيوياً يمثل انتعاشه شرطاً لنهوض اقتصاد حقيقي، ومن جهة ثانية مؤثر بالوضع المالي للخزينة حيث أحد أهم أسباب العجز يعود للنزيف الذي يتسبب به هذا القطاع، ومن جهة ثالثة له تأثيره العميق على ميزان المدفوعات، وسعر النقد وتوازن الأسواق، بحيث يمكن لتجميع هذه الفقرات في برنامج وخطة أن تشكل خريطة طريق لما يمكن أن يمثل دون مبالغة الحجر الأساس في خطة تعافي اقتصادي ومالي، تختصر 50% مما هو مطلوب. وإذا أسقطنا ما حدث في تجربة سفن كسر الحصار وتداعياتها على الموقف الأميركي الذي بادر للدخول على الخط بالحديث عن رفع الحظر عن استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سورية، يمكن أن ندرك حجم التحول الذي يدخله وضع هذه الحلول على الطاولة عملياً في توازنات القوى المحيطة بموقع لبنان في السياسات الدولية والإقليمية.
– قال السيد نصرالله في إحدى خطبه أن بالمستطاع تقديم حل لقطاع الكهرباء عبر قيام شركات ايرانية بتوليد الطاقة وبناء الشبكات واستيفاء البدل عبر بيع الناتج للدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، ثم أضاف في كلمة أخرى استعداد شركات روسية وصينية للقيام ببناء المعامل وتطوير شبكات النقل والتحويل وبيع الكهرباء المنتجة للدولة، وهو اليوم يقول إن مبدأ الاستيفاء لبدلات المصفاة من بيع المشتقات للدولة اللبنانيّة ممكن بالليرة اللبنانية، وفق العرض المقترح من الشركة الروسية لإقامة مصفاة تكرير النفط في الزهراني، ما يجعل ثنائية بناء المعامل لتوليد الطاقة وتشغيلها، وتقاضي البدلات بالليرة اللبنانية مشتركاً بين الشركات الإيرانية والروسية.
– في خطبة أخرى قال السيد نصرالله إن على الحكومة أن تطلب من الشركات المنقبة عن النفط والغاز أن تباشر فوراً بالعمل في البلوكات اللبنانية، خصوصاً تلك الجنوبية، مضيفاً أنه إذا كانت هذه الشركات تخشى الغضب الإسرائيلي فإن هناك شركات ايرانية مستعدة ولا تخشى “اسرائيل”. وفي خطبة مختلفة تناول فيها ملف ترسيم الحدود كرّر، وتابع من بعده مسؤولون في حزب الله بصورة أشد وضوحاً، تحذير “إسرائيل” من أي استثمار وتنقيب في المناطق المتنازع عليها مع لبنان، ورسم خطوطاً حمراء لمفاوضات الترسيم رغم التأكيد على أن المقاومة لا تريد الدخول طرفاً مباشراً فيها، لكن الجميع يعلم أن قوة المقاومة هي التي تفرض على كيان الاحتلال التفاوض وعلى الأميركيين التوسط، وان الضغوط الاميركية التي تفلح في تظهير تخاذل المستوى السياسي اللبناني، ستنجح في جعل الموقف الرسمي في مفاوضات الترسيم ضعيفاً، ما لم تحضر هذه الخطوط الحمراء من موقع الحكومة.
– في إطلالته الأخيرة تناول السيد نصرالله ملف المشتقات النفطية ببساطة وعمق. فالسوق العالمية متجهة نحو مزيد من الاشتعال، ولا حل إلا بالجمع بين تسريع الاستخراج والبدء بالتكرير، ولبنان قادر عليهما اذا كانت أولويات المعنيين بالملف حكومياً تنطلق من حساب المصلحة الوطنية، ولا تقيم حساباً لمن يرضى ومن يغضب، ما يطرح على حزب الله عشية الانتخابات النيابية، وإعداد البرنامج الانتخابي تركيب التحالفات الانتخابية، التساؤل الجدي حول مدى جدوى وقوعه في وضع البرنامج الانتخابي وصياغة التحالفات، بتكرار ما تفعله الأحزاب الأخرى بتقديم تصورات نظرية لمواقفها من كل القضايا، وربما تبقى هذه المواقف صالحة للتكرار في كل دورة انتخابية، بينما لا يستطيع الحزب الأقوى في لبنان التصرف كمجرد قوة تبشيرية، والناس تنتظر منه الكثير، وحلفاؤه لا يملكون قدرة رفض الكثير من الطلبات في تعاملهم معه، ما دامت هذه الطلبات محسوبة بدقة، وتعبر عن حاجة وطنية، وتتناسب مع تقدير موازين القوى، وقد طرحت للبحث بصورة ملازمة للتفاهمات الانتخابية.
– السؤال لقيادة حزب الله، أليس جديراً بالبحث أن يتقدم حزب الله لحلفائه ولجمهوره، بالتوازي ببرنامج انتخابي من فقرة واحدة يبني تحالفاته ويطلب ثقة الناس، على أساسها، مضمونها توليه حقيبة الطاقة ودعمه في برنامج حلول جذرية لمشاكلها، ولاحقاً اشتراط مشاركته وحلفاءه، سواء كانوا أكثرية أم لا، بأي حكومة بهذا الشرط، تولي وزارة الطاقة وبرنامج متكامل لحل مشاكلها؟
– جرّب حزب الله صادقا في الدورة الانتخابية السابقة جعل ملف مكافحة الفساد ملفاً محورياً، ورفعه السيد نصرالله الى مستوى اعتباره ملفه الشخصي، فاكتشف أن تركيبة الدولة والفساد القضائيّ والتحاصص الطائفي عناصر تعطيل كافية للقول إن الفساد هو جوهر النظام السياسي والاقتصادي في لبنان، وإن الفوز بمكافحته أصعب من تغيير النظام، وبعيداً عن الدعوات التي يتلقاها الحزب لصرف فائض القوة لتغيير النظام، وما تعبر عنه من مراهقة سياسية وجهل بالتركيبة اللبنانية، يبقى أمام حزب الله أن يختار بين إدارة باردة لمعادلة النظام السياسي بحدود ما يستطيع صناعة التوافق حول مضامين تغييرية، وما تتيحه المتغيرات الإقليمية والدولية، كما فعل خلال الفترة السابقة، واصاب بحدود وقد يصيب أكثر، فنجح بتطوير قانون الانتخابات نسبياً، وبإيصال مرشحه لرئاسة الجمهورية، لكن ذلك لم يغير شيئاً في حياة الناس، بل ربما تغيرت الى الأسوأ، ولو لأسباب أخرى، وهو يواجه الآن من يحمله مسؤولية كل الأزمات، من خصومه، وسط تساؤل اصدقائه عما إذا كان من طريقة لتسييل قوة حزب الله السياسية والشعبية ومكانته عند حلفائه عشية الانتخابات، ومكانته معهم بعد الانتخابات في تشكيل الحكومات، وفوق كل ذلك مكانته الإقليمية، لإحداث ثقب في جدار النظام يتيح التأسيس لتغيير جوهري في التوازنات والملفات، ويفتح الباب لحلول للأزمات التي تشكل هموم الناس واهتماماتها، بمثل ما يبدو ان قطاع الطاقة وتولي حقيبته قادر على الفعل، ربما أكثر من إلغاء الطائفية، التي لا تبدو هدفا قابلا للتحقيق، والاكيد أنها طريق بطيء الأثر في تحقيق التغيير، بينما قطاع الطاقة يبدو قريب المنال سريع التأثير؟