مفاوضات بوتين السريّة… من البلطيق للمتوسط: البحر لي
محمد صادق الحسيني
كلّ شيء بات بيده شخصياً، ولا يترك صغيرة وكبيرة في روسيا إلا وهو يديرها ويحرّكها بناء على عقيدته القتالية الجديدة، التي تقضي بضرورة هزيمة أميركا بكلّ حزم وبأس…
وفي هذا السياق كشفت مصادر دولية مطلعة أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتمد في معركته المفتوحة هذه على أوسع مدى مع ما بات يسمّيها بـ “امبراطورية الكذب”، على طاقم خاص به يعمل لديه بشكل مباشر وبعيداً عن الأنظار تماماً.
وأضافت: يقوم وفد من هذا الطاقم الديبلوماسي ـ العسكري الاستراتيجي يتواجد في باريس منذ بداية العملية العسكرية، وانه هو مَن يدير الآن المفاوضات الحقيقية والجوهرية مع الغرب ومع إدارة بايدن بشكل خاص هناك بعيداً عن مسرح العمليات.
وفي هذا السياق، فإنّ المصادر المذكورة المواكبة لما يجري في باريس تؤكد بإنّ بوتين أكد لقادة الغرب بالأمس عبر هذه القناة العليا ما يلي:
1 ـ انّ القيادة الروسية لن تقبل في إطار نتائج عملية أوكرانيا أقل من إسقاط الطغمة الحاكمة في كييف واستسلام زيلينسكي او تسليمه من قبل أسياده ـ رغم معرفة مكان اختبائه والقدرة على أسره ـ ليودَع السجن ومن ثم ليقدّم للمحاكمة مع بقية النازيين الجدد على يد السلطة الجديدة التي ستفرزها نتائج المعركة.
2 ـ بعد الانتهاء من مهمة نزع سلاح أوكرانيا وتحييدها وإعادة تشكيل السلطة فيها، سيتجه بوتين الى مهمة إخراج أميركا من أوروبا، والخطوة الأولى ستبدأ من دول البلطيق وأوروبا الشرقيّة حيث سيكون المطلوب منها الانسحاب من الناتو وإعلان حيادها.
3 ـ انّ بوتين لن يقبل بعد اليوم ايّ تهديد وجودي لأمن واستقرار بلاده من جانب أميركا والناتو وقد أبلغ المتفاوضين معه في باريس ما يلي:
إنّ بحار البلطيق والأسود والمتوسط أصبحت مليئة بالغواصات ذات الطبيعة الاستراتيجية وهي متأهّبة للقيام بمهامها القتالية في حال تعرّضت روسيا لعدوان، وستنطلق القذائف الاستراتيجية من جميع أنواع الغواصات لا سيما من غواصات “اليد الميتة” وهي غواصات روسية متطورة جداً مزروعة في كلّ البحار والمحيطات وهي بإمكانها إطلاق قنابل بعشرة رؤوس كلّ واحدة منها قادرة على تدمير إحدى المدن الغربية الكبرى…!
يضيف المطلعون على خفايا ما يجري بعيداً عن وسائل الإعلام فيقولون:
إنّ العالم الغربي لم يقدّر بعد حقيقة ما يملكه بوتين قدرة وقوة وعزم في سياسته الجديدة القاضية بإحداث النقلة العالمية الكبرى التي طال انتظارها من قبل القيادة الروسية!
التغيير الذي آن أوانه ولا محيد عنه، وهي الإرادة المشتركة مع الحليف الصيني والآخر الإيراني وعشرات القوى العالمية التي سرعان ما ستنضمّ الى موسكو بمجرد تسارع الانحدار الأميركي الآتي…
أميركا وصلت الى المحطة التي لطالما أخبرنا عنها كبار من قاتلوا أميركا وخبروها عن قرب من ماوتسي تونغ الى الإمام الخميني…
صحيح أنها لا تزال مدجّجة بأسلحة الدمار الشامل لكنها
باتت أقرب ما تكون الى المقولة التاريخية الشهيرة: نمر من ورق، فلا تخافوه…
وكما يردّد الصينيون اليوم في ردهات الحزب الحاكم طبقاً لمصادر متابعة في بكين :
إنّ اميركا باتت امبراطورية تسارع الخطى نحو قعر جهنم بما فعلته هي بأيديها وما فعلته بها أيدي شرفاء العالم أيضاً…
وأما أوروبا ففي هذه الأثناء ورغم قدراتها الاقتصادية وادّعاءاتها فهي تفتقر للروحية والإرادة، فإنها سيجعلها تخرج من هذه المعركة أكثر ضعفاً ولا دور مؤثراً لها في المعادلة الدولية الجديدة…!
كما أنّ الناتو سيكون مصيره هو الآخر التفكك والمزيد من التصدع.
والمتضرّر الكبير في منطقتنا هو الكيان المؤقت الذي بدا ضائعاً وفاقداً لأيّ رؤية بل ومصاباً بالعمى الاستراتيجي كما يقول المطلعون على خفايا مطبخ القرار “الإسرائيلي”.
أما أوكرانيا التي أرادوا لها دولة مدجّجة بالسلاح النووي والأسلحة الجرثومية ومنصة للعدوان على روسيا فإنها ستخرج لا محالة:
مجموعة دويلات مجزأة وضعيفة ومنطقة حياد فاصلة بين عالم جديد صاعد بقيادة الثلاثي الأوروآسيوي الصين وروسيا وإيران، وعالم الغرب المتقهقر الذي ستظهر فيه أميركا ـ القوة العظمى سابقاً ـ إمبراطورية عجوز حان وقت خريفها منزوية داخل حدودها، المغتصبة أصلاً من سكانها الأصليين الأميركيين اللاتينيين!
هذه مطالعة واقعية لمعادلة القوة في جغرافيا آخر الزمان، نوصف فيها العالم بمثابة صيرورة حاصلة وليس أمنيات او رغبات ثورية!
ومثل هذا المسار أعلاه هو أصلاً جزء من السنن الكونية وقواعد وقوانين تحوّل القوى والإمبراطوريات الفاسدة عندما توغل في الشر والكذب والظلم والقمع الوحشي، تنزاح من الواجهة رويداً رويداً لتترك المجال والحياة لقوى الخير الصاعدة.
عالم ينهار، عالم ينهض.