أزمة السكن… المالكون والمستأجرون مجدّداً
} منجد شريف
تدرّجت الأزمة الاقتصادية منذ نهاية العام 2019 وحتى اليوم، وحلّق الدولار في العنان حتى بلغ 33 ألف ليرة، ليعود وينخفض الى أكثر قليلاً من 20 ألفاً، وهو لا يزال مرشحاً لعدم الاستقرار الى حين اعتماد خطة تعافي للجمه، وذلك مرتبط بعوامل خارجية وداخلية لا تزال تلاميحها غير بائنة حتى الآن.
غير أنّ في ارتفاع الدولار وانخفاضه صعد أناس وانخفض آخرون، بعدما اجتث ارتفاعه القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وأصبحت كلّ رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص لا تكفي مصروفاً لأسبوع مع كلّ تدابير التقطير والاقتصاد، بينما راكم ذلك الصعود الكثير من الثروات لمن يتقاضى بالدولار، مثال الجمعيات المدعومة من الخارج وخلافها، إضافة إلى أصحاب المهن على أنواعها، اذ حوّلوا أجورهم وأرباحهم إلى الدولار، وبالتالي تصدّروا المجتمع، بعدما صار صعود الدولار، ونظام القبض النقدي، دون اللجوء إلى العمليات المصرفية، نعمة عليهم.
إننا أمام انقلاب اجتماعي، ومردّ ذلك إلى طمس الطبقة الوسطى إلى ما دون الدنيا، بسبب ما تعانيه من تدني قدراتها المالية في ظلّ أزمات كثيرة لا تعدّ ولا تحصى بدأت في الاستشفاء والدواء والغذاء والوقود، إلى أن وصلت إلى المسكن وهي الأزمة الأبرز اليوم بسبب ما اعترى قروض بنك الإسكان من عيوب ومحسوبيات مما فوّت على االغالبية من الناس الاستفادة منه، فكان السكن ببدل إيجار هو الحلّ عند فئة كبيرة من الناس واستقرّت على هذا الحال منذ زمن إلى أن تفجّرت الأزمة الاقتصادية لتخلق إشكالية كبيرة بدأت تتفاقم بين المالكين والمستأجرين، عندما اتجه المالكون إلى دولرة إيجاراتهم، بينما الغالبية من المستأجرين تتقاضى بالليرة اللبنانية المتهاوية، وصار الفارق بين الإيجار السابق والحالي شاسعاً، ما يضع المستأجر المعتمد على راتبه بالليرة أمام حالة تشرّد بكلّ معنى الكلمة، جراء ارتفاع بدلات الإيجار إلى ما يفوق الخمسة أضعاف، ومثال على ذلك شقة في منطقة الحدث حي الجاموس كانت تقطنها عائلة لقاء بدل إيجار بـ 900 الف ليرة لبنانية ما يوازي الـ 600 دولار على سعر صرف 1500 ليرة.
عند بداية الأزمة وارتفاع الدولار الى 2200 طلب المالك زيادة البدل فتجاوب المستأجر وزاد الإيجار حتى بلغ 1,200 مليون ليرة، وبعدما وجد المالك انّ الدولار غير مستقر، طلب من المستأجر الدفع بالدولار النقدي بما يعادل الـ 350 $، فمن كان راتبه مليونين ونصف المليون عليه أن يضيف إليها أربعة ملايين على سعر صرف 20650 ليرة ليتمكن من البقاء في مسكنه، وهذا الرقم مرشح للصعود في حال ارتفاع سعر الصرف، فمن أين لتلك العائلة أن تكمل العيش إذا كانت كلّ مقدراتها لا تكفي لسدّ إيجار المنزل؟!
هذا مثال لحال الكثيرين في مختلف المناطق إذا بلغ الحدّ الأدنى للإيجار 200 دولار أميركي، وهو مبلغ كبير للموظفين على أنواعهم.
إنّ أزمة المالك والمستأجر بدأت بالتفاقم وهي مرشحة للكثير من التطورات، فهناك من لم يعد يملك حتى كلفة الانتقال الى مسكن آخر، بينما المالك أصبح مستفرساً نتيجة تدني القيمة الشرائية لليرة، وطمعه في إيجار جديد بالدولار يعادل كلفة الغلاء المستفحل في كلّ شيء، وعليه صارت الهوّة كبيرة بين المالكين والمستأجرين، وهذا ما أوصل الكثيرين إلى العنف المتبادل، والتقاضي أمام القضاء، وعمد البعض من المالكين الى المضايقات على أنواعها مما خلق الكثير من حالات التوتر التي تنذر بالشر المستطير، إننا أمام حالة من انعدام التوازن، وقد تؤدي تلك الأزمة إلى نواة جديدة للفوضى واختلال لحبل الأمن، بعدما انعدمت قيمة الليرة اللبنانية، بينما لا تصحيح للأجور، ومجمل المساعدات لا تعادل فاتورة الكهرباء للإشتراك.
أمام كلّ ذلك أصبح المالك والمستأجر عدوّين لدودين يتربّص أحدهما الآخر، فالمالك متسلح بملكه وما نصت عليه العقود الحرة من حقه في الطلب بإخلاء مأجوره بعد إعلام المستأجر قبل شهرين من ذلك، بينما المستأجر متسلح بالمظلومية التي طالته جراء انهيار الليرة، الذي لا ذنب له فيه، وانعدام وسائله وما قد ينجم عن تركه للمأجور من تشرّد وتشرذم له ولعائلته.
إنها أزمة حقيقية تسترعي الاهتمام من قبل السلطة السياسية بكلّ مكوناتها، فأين للمستأجر أن يترك مسكنه في مثل هذه الظروف القاسية، والتي طالت بقساوتها كلّ الشرائح الإجتماعية؟!!
وأين له أن يجد في راتب لم يعد يكفي لسدّ الحاجات الرئيسية، أن يعثر على مسكن جديد مع ما يتطلب ذلك من أكلاف؟
أسئلة مشروعة تستدعي من الحكومة والجهات المختصة أن تعمد إلى معالجتها الفورية في تشريع استثنائي لتنظيم هذا الإختلاف بما يتفق ومصلحة الطرفين، فتعمد إلى تعليق كلّ المهل القانونية في العقود وحتى التعهّدات بالإخلاء، مع طرح زيادة مئوية على العقود وبحسب قيمتها وبما يتلاءم والظروف الإستثنائية، بحيث أنّ المالك لا يستطيع اللجوء إلى القضاء لإخلاء المأجور، وفي المقابل يدفع المستأجر الزيادة المنصوص عليها للمالك، وبهذا لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، وإلا فهناك إشكالية كبيرة سوف تتمدّد وستهدّد صفو الأمن والاستقرار، بعدما كثرت الخلافات، ووصل بعضها إلى حدّ التهديد بالسلاح ، وهومرشح بالتفاقم مستقبلاً، لذلك فإنّ الحلّ عند الحكومة لتنظيم هذا الاختلاف مؤقتاً ريثما تستقر الحال ويعرف الجميع إلى أين ستصل تلك الأزمة ومعها الشعب، وإلا سيترك المالك والمستأجر بوجه بعضهما البعض مع ما يمكن أن ينجم عن ذلك من خلافات لا تحمد عقباها…