لا يجوز ترك سلامة ومَن معه يخرّبون الاقتصاد أكثر…
أحمد بهجة*
تزداد يوماً بعد آخر حدة الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، فيما لا يكترث معظم المسؤولين بالأوضاع المزرية للناس، خاصة في ظلّ العواصف القاسية التي تضرب هذا البلد، وهي عواصف متعدّدة الوجوه والأشكال، تارة بالثلوج والأمطار والبرد القارس، وتارة أخرى بالأسعار الملتهبة التي تزيد الصقيع صقيعاً، وتارة ثالثة بالأزمات العالمية التي تنعكس بكلّ سلبياتها علينا لناحية مخاطر فقدان بعض السلع الأساسية التي لا غنى عنها كالقمح مثلاً…
على أنّ أصل الداء الذي تفاقم وتكاثر حتى انتشر وتمدّد في كلّ أعضاء الجسد اللبناني المنهك، يتمثل بالسياسة النقدية والمالية التي لم تستنزف كلّ ما دخل إلى الخزينة العامة فقط، بل استنزفت أيضاً أموال المودعين اللبنانيين (مقيمين ومغتربين) ومعهم عدد من المودعين السوريين والعراقيين والعرب… وهي أموال بمليارات الدولارات التي لم يبقَ منها إلا ما يُسمّى الاحتياطي الإلزامي الذي لا يعرف كم بقيَ منه إلا شخص واحد فقط اسمه رياض سلامة…!
هذا الشخص العصيّ على المساءلة والمحاسبة، يحظى بأكثر من غطاء خارجي وداخلي، طائفي ومذهبي ومصلحي بامتياز، ولا يُسلّم أسراره لأحد… والكلّ يذكر ماذا حصل قبل أكثر من عام حين طلب منه رئيسا الجمهورية والحكومة العماد ميشال عون والدكتور حسان دياب كشفاً مفصّلاً بحسابات المصرف المركزي، حيث ذهب إليهما حاملاً ورقة A4 كتب عليها بقلم رصاص بعض الأرقام وقال إنّ هذا هو كشف الحساب في مصرف لبنان!
وحين حاول المسؤولون محاسبته على فِعلته هذه وعلى ما ارتكبه من تجاوزات طوال ثلاثين سنة رُفعت في وجههم الفيتوات والخطوط الحمراء وبقيَ المرتكب في منصبه واستمرّ في عمله المعتاد دون حسيب أو رقيب.
واقع الحال اليوم هو أنّ الخزينة العامة فارغة وأموال الناس منهوبة ومهرّبة إلى الخارج، وها هي تحقيقات القاضية غادة عون تكشف بعض ما خفيَ من تهريب الأموال إلى الخارج بعد تشرين الأول 2019، والأدهى من ذلك أنّ هذه الأموال المهرّبة أعطاها سلامة (ما غيره) للمهرّبين من أصحاب المصارف الخاصة ومسؤوليها كقروض ميسّرة وتسهيلات كما جرت العادة منذ ثلاثة عقود، وصولاً إلى الهندسات الشهيرة التي أدخلت نحو عشرة مليارات دولار إلى جيوب أصحاب المصارف وأصحابهم من السياسيّين والمحظيّين…!
أمام هذه الوقائع لا يعود مستغرباً أن تفرغ خزائن المصارف ويُهرّب ما كان فيها إلى الخارج، وأن لا تعود الدولة قادرة على تأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات الاستمرار للمجتمع اللبناني، حتى أنّ ما قرّرته الحكومة من مساعدات اجتماعية بالليرة اللبنانية لموظفي القطاع العام من عسكريين ومدنيين ومن ضمنهم المتقاعدون، لم يصل كاملاً إلى أصحابه، إذ أمّن مصرف لبنان للمصارف الخاصة 60 في المئة فقط من قيمة تلك المساعدات، على أن تتولى المصارف تأمين الباقي، لكنها لم تقم بواجبها هذا، لأنّ خزائنها فارغة كما قلنا، الأمر الذي خلق أزمة جديدة للموظفين ولعموم الناس، حيث لا أموال يمكنهم سحبها من حساباتهم ولا بطاقات الائتمان الصادرة عن المصارف مقبولة من نقاط البيع المتعدّة من محطات البنزين والسوبرماركت وغيرها، وإذا تمّ قبول البطاقات فعلى أصحابها أن يتحمّلوا زيادة 1 أو 2 في المئة على قيمة ما اشتروه، أيّ غلاء فوق غلاء ونهب فوق نهب مما لا يمكن احتماله أو تقبّله…!
كلّ هذا… مع استمرار التأزّم السياسي، أدّى إلى عودة سعر صرف الدولار للارتفاع، بعدما كان المتوقع أن يستمرّ الاستقرار النسبي في سعر الصرف عند حدود 20 ألف ليرة للدولار إلى ما بعد الانتخابات النيابية، لكن الشكوك تزداد بإجرائها في موعدها المقرّر في 15 أيار المقبل، رغم أنّ القوى المعنية تعمل كأنّ الانتخابات حاصلة وتعلن عن مرشحيها وتطلق ماكيناتها، ما يجعل الحديث عن التأجيل في غير محله.
وهناك من ربط بين ارتفاع سعر صرف الدولار وبين قرارات القاضية غادة عون ضدّ «الحاكم» وعدد من أصحاب ومسؤولي المصارف، إذ يعتقد هؤلاء أنّ الضغط على الناس وإبقاءهم «رهائن مالية» لمصالح هذا أو ذاك قد يُجبر المعنيين على التراجع عن ملاحقتهم ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم بحق البلد وأهله…!
ولذلك يحذر العارفون من قفزات جديدة في سعر صرف الدولار، حيث قد يتخطى مجدّداً عتبة الـ 30 ألف ليرة وسط مؤشرات تشي بمزيد من الارتفاعات من دون سقف محدّد في الأشهر المقبلة، فهل انّ الناس تستطيع تحمّل المزيد من المماطلة والتأجيل في اعتماد الحلول.
إنّ أبسط واجبات المسؤولين عن الحكومة ان يجدوا المعالجات المناسبة لهذا الانسداد، خاصة أنّ هناك عروضاً اقتصادية وإنمائية من عدة دول صديقة من شأنها ان تحلّ الكثير من المشاكل التي لا يمكن أن تنتظر انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي يُرجح ان تمتدّ الى ما بعد الانتخابات، وبعدها انتظار تشكيل الحكومة ثم انتظار انتهاء الاستحقاق الرئاسي في الخريف المقبل، وبعده أيضاً انتظار تشكيل حكومة جديدة، بما يعني أن لا شيء قبل مطلع العام 2023… هذا إذا سارت كلّ الاستحقاقات في مواعيدها المقرّرة ولم ندخل في فراغ هنا أو هناك…