نحن والثقافة
إن الثقافة هي نزعة نفسية أصيلة لأن الإنسان المثقف يحب الغوص في كنه الأشياء ومعرفة خفاياها وأسرارها. ولأن الثقافة جانب فاعل وحيويّ يشمل توجه الفرد المثقف قاطبة. ومن البديهي أن حب المعرفة يلعب دوراً أساسياً في إنشاء مراحل التثقيف ويترك أثراً واضحاً لكل فرد في المجتمع.
وللبشرية تاريخ غني في إبراز أولى مراحل التفكير في الوجود لأن الثقافة في الأصل ممتدّة الجذور ابتداءً من العصور القديمة عندما استطاع الإنسان الأول أن يعقل مشاعره وأفكاره عن طريق ابتكار اللغة ومن ثم الكتابة.
لذلك، نرى أن الثقافة ضرورية لتنقلنا من واقع «الأنا» المتوحدة إلى الفعل الجمعيّ، لكونها القاسم المشترك في كل التكوينات الاجتماعية وهي ذات أثر عظيم في حياة الشعوب والأمم. فالشعوب التي تحيي ثقافتها وتحولها إلى سلوك عملي على الأرض هي أكثر الأمم القادرة على الريادة. وبالتالي، نرى أنه من هنا ندرك الأثر الذي تحدثه الثقافة في مجرى حياة الفرد والمجتمع على مستوى الشعوب والأمم.
ونرى أن الثقافة لا بد أن تكون فاعلة ومؤثرة في المحيط ومتأثرة به أيضاً لكونها نشاطاً جمعياً لا يُقصي ولا يحيد أية فئة كانت لكونها بالأصل يجب أن تكون متوافقة في الأصل مع البيئة الزمانية والمكانية أو قد تتعداها لكونها حاجيات اجتماعية تشمل منحنيات عدة. ولا يغيب عنا أن الثقافة في الأصل هي عملية التمازج الفكري واللغوي والبيئي أيضاً حيث إنها توسّع المدارك وتوسع مدى الرؤية وتفتح أفاقاً بعيدة واسعة للعقل.
ولكي تكون الثقافة هي إرث فعلي فهي مرتبطة بالأخلاق فلا ثقافة من دون أخلاق وإلا لتحول المجتمع إلى حياة الغابة من جديد. فالثقافة هي عملية بحث واستقصاء عن مدلولات الأشياء. وهذا بالطبع يقودنا إلى سؤال عن متى يكون الإنسان ذا ثقافة أصيلة ليكون بها صاحب رؤية ونقد بناء.
ومن هنا، يتدخل عنصر البيئة إذ أنه حين تتقلص ملامح الانسجام مع البيئة والثقافة المنشودة تتحول إلى ردة فعل عكسية تجعلنا ننسحب من جديد إلى العوالم المظلمة ونستجلب الخرافة، ونتنفس الأسطورة، ونهيم في الظلمات مع العوالم السحرية.
مثال ذلك ما حصل خلال الحرب على سورية من قتل وذبح وتقطيع لرؤوس وتدمير للبنى التحتية واستجلاب آفات المجتمعات الغربية والعربية ليقاتلوا في سورية تحت عناوين براقة ظاهرها شعارات وباطنها سلب للحريات وتدمير للذات. فما حصل هو كابوس ينتقل من دولة لأخرى بسبب الجهل وعدم الثقافة والمعرفة وارتهان هؤلاء لقوى الاستعمار الانتهازية والرجعية في المنطقة والعالم.
في العام 2022، كنا نأمل ونحن أن نحكم قبضتنا على الذرَّة وعناصر الضوء وأن تمتد قدراتنا لأبعد من هذا ونسافر عبر الزمن، ولكن للأسف مازلنا نغرق في وحل الخرافة وتصدعات الجهل. فإذا كانت البندقية أفصح لساناً من قانون نيوتن والفكر الإرهابي أفصح لساناً من قانون الجذب العام، فنحن سنبني نظريتنا على أساس لكل فعل رد فعل أي بمعنى لكل عنف رد عنف، وبعد فترة من الزمن سنبطل قانون الطرد المركزي ونقوم بتكثيف جزئيات الفساد ونطرد مصلحة الوطن والمواطن.
فالجهل بالمجمل ما هو إلا نتاج خبيث لانعدام الوعي والثقافة. يجب علينا أن نعي ونفهم وندرك أين تقف بنا المصلحة ونأخذ بالحسبان كل عوامل التقدم والنهوض لنردم هذا الصدع التاريخي ونمضي قدماً في ركب العصر لنجد أنفسنا بالتأكيد في مقدمة الشعوب المتحضرة والأكثر أمناً وأماناً، ونصدر للعالم الثقافة والوعي الذي هو عنوان الحضارات السالفة والحاضرة والمستقبلية ولتذكرنا الأجيال القادمة بما خلفنا ورآنا من إرث حضاري ثقافي.