حرب «نطاق الحيطة»… وصراع الأقطاب الخفي!
} فاديا مطر
مع نهاية حقبة مينسك وحتى أوجه تفاهمات النورماندي إلى غير رجعة، ينبثق شكل جديد للصراع في أوكرانيا على مقامرات جديدة تأخذ الغرب معها الى متغيّرات ملامح النظام العالمي الذي دأبت واشنطن على فرضه مرة بالقوة وآخرى بالسياسة وتارة بالاقتصاد على مدى عقود، فالخطوة العسكرية الروسية لفرض نطاق حيطة في أوكرانيا تضمن المخاوف التي طالما تكلمت عنها موسكو، لكن لم تراعها الدول الغربية ولم توقفها المنح العسكرية والمالية، وما كشفته من لعبة أميركية وأوروبية خطيرة تجاه روسيا وكلّ العالم، فالعقوبات الاقتصادية الغربية بمجمل مروحتها، والتحشيد العسكري لأوكرانيا من خارج الحدود ما هو إلا كمن يحرق ثوبه بيده لجهة ما بدأ الغرب يعانيه من ارتفاع في أسعار حوامل الطاقة وحرب الأسعار والتفكك الاقتصادي تجاه اللاجئين والمنعكسات الاقتصادية الكبيرة في أيام قليلة…
فحرب الأسعار بدأت قبل قطع الإمدادات الروسية لحوامل الطاقة في أوروبا المترفة وفي واشنطن الخاسرة والتي بدأ الحزب الجمهوري فيها بمهاجمة الرئيس بايدن بسبب التضخم ومرتدات المال المعكوس الذي تعاني منه اقتصادات هامة في أميركا وأوروبا، خصوصاً بعد إعلان الرئيس بايدن عن تعليق استيراد البترول الروسي قبل مرحلة التجديد النصفي المقرّرة في تشرين الثاني المقبل، فأميركا لا تملك حقيقة آلية حتى الآن لتطبيق كلّ العقوبات المفروضة على روسيا دفعة واحدة، وهي وإنْ طُبقت فلا تأثير يُذكر على مجمل المشهد الميداني في أيام قليلة أو أشهر، حيث يعاني الغرب من صراع مع التضخم سيصل به الى حقبة تشبه حقبة الرئيس ريتشاد نيكسون عندما فك ارتباط الذهب بالدولار في العام 1971، وهي مرحلة ربما تكون فيها المعادلة المالية بعد ارتفاع الإنفاق العسكري والتحصيل الضريبي معطوفاً على فقدان واردات روسية مهمة، بمثابة حرب أخرى داخلية تعود بفائدة أعلى وعدم القدرة الشرائية المحلية ستتسبّب بزيادة التضخم في الناتج المحلي الذي سيستغني عن 30% بالأقلّ من الصادر الخارجي الروسي وربما نشوء نظام مالي إلكتروني جديد ينافس سويفت ويتفوّق عليه…
فالصراع الخفي الذي يقوده الغرب بكامل معسكره وأدواته جعل الخطوة الروسية مختلفة الردّ، فهو ما يشير الى رفع مستوى التأهب الذي جعل الرئيس بوتين يضع ترسانته النووية على نظام المهام القتالية رداً على عقوبات الغربية، محذراً بأنّ التدخل في الأزمة الأوكرانية سيؤدّي الى عواقب لم يسبق لها مثيل في التاريخ بحسب ما ذكرته صحيفة «فاينشيال تايمز» الأميركية، وما يميّز المرحلة الحالية من المعركة هو اللعب العسكري في بولندا وماريوبول التي يحاول الغرب فيها كسب الميدان بحلفائه الراديكاليين المتطرفين، والذي يذكرنا بالحرب على سورية مع فارق العاقبة بالنسبة للغرب في منبثقاتها التكتيكية في معركة حلب، فهنا اللاعب الخفي هو تركيا والكيان الصهيوني اللذان يحاولان استغلال الأزمة الأوكرانية في حيّز جيوسياسي على ضفتين لتحسين العلاقة مع الشركاء الأوروبيين والأميركيين وصبغ نفسيهما لاعبين دوليين قادرين على لملمة ما خرّبته السياسة الخارجية في الأدوار المتهوّرة حتى تجاه روسيا، حيث أنقرة اللاعب الذي سيدفع الثمن الكبير في سورية بعد إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل واللعب في الميدان المعادي لروسيا بالورقة التي تضمنها وترعاها تركيا من مجموعات إرهابية ومنسق راديكالي برغم أن موسكو ما زالت تمنح اللاعب التركي المساحة السياسية لبعض الوقت الذي لن يستفيد منه أردوغان في انطاليا كثيراً، وهنا تكتب روسيا وحلفاؤها الاستراتيجيين بالسياسة والعسكرة ملامح نظام عالمي جديد ينهي القطبية الأحادية ويكشف قدرة الغرب الضعيف بكامل معسكره الذي وقع في عنق الزجاجة ويعيش مرحلة خداع الذات التي ستُفرض عليه بالقوة…