شهداء ولكن…
إتصل أحد الجنود السودانيين الذين يقتلون الشعب اليمني بإحدى القنوات الدينية وتساءل، هل إذا قُتلت في اليمن أُعتبر شهيداً؟ فالرجل في حيرة من أمره، وهو يريد ان يتأكد أنه يقاتل الشعب اليمني المسلم الشقيق، والذي لم يرفع إصبعاً في وجه السودان، يقاتله في سبيل الله، طائعاً محتسباً مجاهداً، ومن ثم فإنْ قُتل فهو شهيد، حيّ عند ربه يُرزق…!
لهذه الدرجة وصلت مواصيل الضلال في هذه الأمة، وليس الأمر حكراً على هؤلاء الناس الذين يتمتعون بقدر يسير من المعرفة الدينية، وهم بالتأكيد تحت قدر كبير من التضليل وغسل الأدمغة والحشد الفكري المرتزق، والذي يعمل أجيراً لدى أولئك الذين خانوا كلّ أنواع الفضيلة والانتماء في سبيل المنافع الدنيوية، يفصّلون الفتاوى على قياس الدافعين، ويتفنّنون في ذلك، ولكن هنالك في الناحية الأخرى ضلال مجاني، يتمثل في شريحة وازنة من شعوبنا تتلقف هراء الحديث وضحله بلا تمحيص وبلا مساءلة، وتسير خلف وسائط الإشعاع الإعلامي المرتزق، وتمتثل الى جدليته وكأنها قدر لا مناصّ من الأخذ به.
ومثال صارخ ضمن آلاف الأمثلة هو مثال صدام حسين، الذي خاض حرباً طاحنة ضروساً ضدّ إيران الثورة، إيران التي ومنذ اللحظة الأولى لولادتها كانت تضرب على الطاولة بيدها وتعلن بالفم الملآن أنها مع قضايانا وعلى الرأس منها قضية فلسطين والقدس وشعب فلسطين، وأنها لن يهدأ لها بال حتى تعود المقدسات ويعود الشعب الى أرضه، كوفئت من قبل صدام ونظامه بحرب طاحنة لا تخدم سوى أميركا و»إسرائيل» والأعراب، قتل فيها من خيرة شباب إيران والعراق مليون ونصف مليون شاب، وأنفق عليها ما يربو على التريليون دولار، لو قيّض لهذه الطاقة من البشر والمال أن يتجه نحو فلسطين لما بقيت «إسرائيل» في الوجود، ثم أنك حينما تأتي على ذكر هذا الطاغية القاتل، تجد الكثير ممّن يدعونه شهيداً، ومن أمثاله الكثير الكثير ممن يُقال لهم شهداء وهم من أشدّ أعداء الأمة والدين والأخلاق والفضيلة…
هكذا نحن، وهكذا بلغ منا فقدان المقدرة على التمييز بين الغث والسمين، بين من هو معنا ومن هو عدو لنا، خلطنا الحابل بالنابل، والمليح بالقبيح، والنذيل بالنبيل.