القاضية عون تدّعي على سلامة وشقيقه بجرم الإهمال والهدر وإساءة الأمانة جمعية المصارف تُعلن الإضراب التحذيري ليومين ومجلس الوزراء يدرس آلية التعاطي مع القطاع
تفاعلت قضية النزاع القضائي المصرفي أمس، في شكل غير مسبوق في ضوء المعلومات القضائية التي أفادت بأن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون ادّعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة بجرم «الإهمال الوظيفي وهدر المال العام وإساءة الأمانة» وأحالت الملف مع الادعاء إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، طالبةً استجواب المدعى عليهما واتخاذ القرار المناسب بحقّهم في ضوء نتائج التحقيق الاستنطاقي.
وفيما أمهل المصرف المركزي القبرصي المصارف اللبنانية حتى تاريخ أقصاه يوم أمس، لتوضيح مسألة الملاحقة القضائية للمصارف أمام القاضية عون، أعلنت جمعيّة المصارف تنفيذ إضراب تحذيري يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين «كخطوة أولى للتنبيه والتوعية إلى خطورة ما آلت اليه الأوضاع الراهنة»، مطالبةً بما سمّته «تصحيح الخلل الحالي الحاصل وصدور قانون الكابيتال كونترول بأسرع وقت ممكن وإقرار خطّة تعافي والمباشرة بتنفيذها»، محتفظةً بـ»حقّها بإتباعها بخطوات أخرى قد تكون ضرورية للمحافظة على الاقتصاد الوطني والمصلحة اللبنانية العليا»، على ما جاء في بيان للجمعيّة.
وقالت «هو إضراب تحذيري ضد التعسّف في تطبيق السياسات المالية، فالمصارف اللبنانية لم تعد تحتمل القرارت التعسّفية التي تتناولها من كل حدب وصوب والتي يستغّلها بعض سيئي النيّة لوضعها في مواجهة المودعين، في وقت أنها تحاول قدر المستطاع تجنّب نتائج السياسات المالية بعد أن أدّت هذه السياسات إلى هذا التدهور في وقت يمتنع مدينو المصارف والدولة اللبنانية ومصرف لبنان عن تسديد موجباتهم وتحمّل مسؤولياتهم تجاه المصارف والمودعين. ومع الأسف فإن استمرار غياب قانون الكابيتال كونترول وإقرار خطّة تعافي والمباشرة بتنفيذها يؤدّي إلى تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني».
وأشارت إلى «أن المصارف تؤكد منذ البداية احترامها للقضاء وللسلطات النقدية، وتكرّر أنها تحت سقف القانون. إلاّ أن ذلك لا يمنعها من التساؤل حول مغزى بعض القرارات القضائية والإدارية التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من السند القانوني والمصلحة العامّة، وقد تنبثق من الشعبوية ومن التوجه لتأجيل المعالجة الصحيحة».
وفي خضم هذا التطوّر، يعقد مجلس الوزراء جلسة عند العاشرة قبل ظهر اليوم للبحث في الإجراءات القضائية بحقّ عدد من المصارف تمهيداً لوضع آلية للتعاطي القضائي مع ملف المصارف وسيحضر الجلسة مدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد.
في غضون ذلك، اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن «الحملات الإعلامية التي ارتفعت وتيرتها خلال اليومين الماضيين، والتي حاولت الربط بين دور لرئاسة الجمهورية والإجراءات القضائية التي اتُخذت في حقّ عدد من المصارف، هي قمّة في التزوير والافتراء والتضليل، وهي نتيجة مؤكدة لحال الفلتان التي يعيشها لبنان على مختلف المستويات، والإمعان في ضرب مؤسسات الدولة والقوانين المرعية الإجراء».
وأكد أن «كلّ ما نُشر في بعض الصحف وفي وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي عن «مواجهات» بين رئاسة الجمهورية ومسؤولين مصرفيين، هو من نسج الخيال ويهدف إلى تسييس هذا الملف القضائي الصرف واختراع معارك وهمية وربطها زوراً بالاستحقاق الانتخابي النيابي المرتقب في 15 أيار المقبل».
وقال «إن رئاسة الجمهورية لم تتدخل يوماً في عمل القضاء وتحترم استقلاليته وليس لها أي علاقة بالإجراءات التي تُتخذ، لكنها في المقابل تتابع ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان تنفيذاً للقانون الصادر في هذا الشأن في إطار مكافحة الفساد وكشف مسبّبي التدهور المالي الذي أصاب الدولة».
ولفت إلى أن «كل هذا الضياع يُمكن تفاديه من خلال إقرار خطّة التعافي المالي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن ضمنها إقرار قانون الكابيتال كونترول، والتي يتوجب على الحكومة الإسراع في إنجازها».
من جهته، أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال استقباله وزير العدل هنري خوري «أن الحرص على استقلالية القضاء وعدم التدخل في الشؤون القضائية، يوازيه الحرص على استقرار الأوضاع في البلد من النواحي كافة، ولا سيّما المالية».
وقال «من حقّ القضاء أن يُحقق في أي ملف مالي ومصرفي، خصوصاً أن استعادة المودعين في المصارف حقوقهم هي الأولوية والثابتة الأساسية في كل المفاوضات التي نُجريها مع صندوق النقد الدولي وكل الهيئات المعنية، إلاّ أن استخدام الأساليب الشعبوية والبوليسية في مسار التحقيقات أساء ويسيء إلى القضاء أولاً وإلى النظام المصرفي ككل».
أضاف «من الواضح أن مسار الأمور لدى بعض القضاء، يدفع باتجاه افتعال توترات لا تُحمد عقباها، وثمّة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية، وهذا أمر خطير سبق وحذرنا منه».
وجدّد مطالبة «السلطات القضائية المعنيّة بأخذ المبادرة في تصويب ما يحصل، وفق الأصول المعروفة، والدفع باتجاه العودة إلى مبدأ التحفّظ وعدم ترك الأمور على هذا النحو الذي يترك انعكاسات مدمّرة على القضاء أولاً وعلى إحدى الدعائم الاقتصادية في لبنان، والتي سيكون لها دور أساسي في عملية النهوض والتعافي».
وتم بخلاصة البحث الاتفاق على الطلب من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات اتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الملف.
وفي سياق متصل، أوضح بنك الاعتماد المصرفي، في بيان، أن رئيس مجلس إدارة البنك، لم يتبلّغ حتى الساعة أي قرار صادر عن جانب النيابة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان، بل علم بصدور القرار بواسطة وسائل الإعلام.
وقال «لقد سبق لرئيس مجلس إدارة البنك أن أدلى لحضرة النائب العام الاستئنافي بكامل المعلومات الثابتة والإيضاحات التفصيلية التي تتعلق بموضوع التحقيق، لا سيّما لجهة الانكشاف الحاصل في حساب البنك لدى مصرف لبنان والذي استعمل بموجب تحاويل محلّية للمودعين، ومن ثم تمّت تغطيته بالدولار الأميركي من أموال البنك المودعة لدى مصرف لبنان. وأمّا التحاويل للخارج فقد اقتصرت حصراً على تسديد استحقاقات توجّبت لصالح مؤسسات ماليّة ومصرفيّة أجنبيّة وإن قيمتها ضئيلة ومحدودة نسبياً».
وأشار إلة أن «إيداع الأموال لدى مصرف لبنان تبرره الموجبات القانونية والتنظيمية والممارسة المصرفية المحلية والدولية، ولا نحسب أن البنك يُساءل عن ذلك بأيّ معيار أو منطق. كما لا يُسأل المصرف عن السياسات المالية والاقتصادية ولا عن غياب التشريعات الاستثنائية التي توجبها الظروف الراهنة». واعتبر أن «البنك ورئيس مجلس إدارته يؤكدان عدم مخالفة القوانين المصرفية والأنظمة المرعية وتعاميم مصرف لبنان وجمعية المصارف، كما يؤكدان تقيد البنك بالموجبات التنظيمية، بما ينفي ارتكاب أي جرم أو مخالفة».
إلى ذلك، غرّد الوزير السابق حسن مراد عبر حسابه على «تويتر»، كاتباً «شو يعني وقاحة؟ يعني المصارف تحجز ودائع الناس وتتركهم يموتون من الجوع ولما القضاء ينتصر لحقوق الناس مرّة من ألف مرّة، يجتمع كل حيتان المال وببلشوا يهددوا وفوق هيدا يأضربوا ويحذرونا». أضاف «ما سبق أعلاه هو تعريف لواقع سياسة ماليّة في شبه دولة بنوا اقتصادها اعتماداً على ضمير ميّت لحيتان المصارف».