المشورة
لا أستطيع مهما حاولت أن أفهم عقل محمد بن سلمان، وكيف يفكر هذا الرجل؟ وبالذات في المجزرة التي ارتكبها مؤخراً بحقّ 81 معارضاً، لقد كان بإمكانه ان يكسب الداخل والخارج بضربة واحدة، لو انه وبعد صدور أحكام الإعدام بحق الـ 81 معارضاً… لو قام بإصدار عفوٍ عنهم، وسيطبّل المطبّلين، وسيزمّر المزمّرين أنفسهم الذين هلّلوا وزغردوا وملأوا الدنيا تمجيداً وتعظيماً وتفخيماً بقرار الإعدام ومن ثم التنفيذ…
والشيء الغريب العجيب هو أنه حتى لو افترضنا جدلاً أنّ الرجل يفتقد المقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، فأين مستشاريه؟ أين أولئك الذين يفكرون بهدوء وروية وتعقل، ثم يشيرون عليه بصائب الحلول، وسديد الرأي؟ إلّا اذا كان هؤلاء متورّطين في إغراق الرجل وتشويه سمعته مع سبق الاصرار والترصّد لهدف في نفس يعقوب، لقد كان قميناً بـ محمد بن سلمان ـ وبالذات به ـ ان يقوم بعملٍ إنساني فاقع مدوّ يمحو بعضاً من آثار جريمة اغتيال جمال الخاشقجي بالطريقة التي اغتيل بها…
لو كنت مكانه، لألغيت أحكام الإعدام، ثم استقبلت هؤلاء المحكومين في القصر، ودعوت كلّ وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وألقيت خطاباً عن حرية الرأي، وخصوصية هذه الحرية في عالمنا العربي والإسلامي، وأنّ ديننا يحثّ على عدم السكوت على الظلم والتصدي لإقامة الحقّ والعدالة، ولكن مع التمسك بالأصول وعدم تجاوز المحاذير، ولكنت تمنّيت على وسائل الإعلام ـ وهي حاضرة ـ ان تتوخى الموضوعية، وعدم الإساءة للآخرين، وان تحافظ على المصداقية والشفافية والمصلحة العامة، ماذا كان سيخسر لو فعل ذلك؟ بالعكس، ماذا كان سيربح؟ أنا شخصياً، لا أضع كلّ اللوم عليه، أعتقد انّ أخطاءه ليست محصورة في سوء التصرف وفي التوحش وفي الجبروت الذي يمارسه مع خصومه، اعتقد انّ مصيبة الرجل تكمن في أولئك الذين يختارهم ليكونوا له عوناً في اتخاذ القرارات، وقديماً قيل، ما خاب من استشار، وأضيف إليها، ما خاب من أحسن اختيار المستشار، والله من وراء القصد.