رسالة إلى «المسترشحين الجُدُد»
} حيّان سليم حيدر
طالما شهدنا ونشهد ظهور المسترشحين على المسطحات على أنواعها المختلفة (منشورات، شاشات، لافتات، بيانات ومستندات ترشيح…) أشكالاً ألوانا، أطوالاً أعراض، أقوالاً وادّعاءات… لا أفعال… وسنبقى.
وتختلف الأيام وتختلف المواضيع وتختلف الأساليب وتتكرّر النتيجة: المضيّ قدماً القهقهرى إلى أسوأ حال.
ومع «تعاظم» اهتمام الغرب السياسي الاستعماري بـِ «نشر» «الديمقراطية» الليبيرالية في العالم «المتخلّف»، وبخاصة في العالمين العربي والإسلامي، لأسباب «طوباوية» محض، تختلف الوسائل مع اختلاف «عدّة الشغل» المرافِقة. فأصبح تفريخ «الـ أنْ جِي أوز» من التأسيس والتمويل والتدريب فالتوجيه (ببيانات وبأوامر المهمة) من أوسع الوسائل المعتمدة، وصولاً إلى إيفاد مراقبين «دوليين» للإشراف على صناديق الاقتراع كما حصل ويحصل في «الثورات» الملوّنة في العالم. ولا يُخفى عنّك الحرص الكبير والدائم على منع تبلور أيّ إيديولوجيا أو ظهور أيّ قيادة فذّة كما يحصل عادة في الثورات الثورات (لمزيد من الوضوح والتفاصيل يرجى مراجعة كتاب «جين شارب» عن الموضوع (*)).
وكي لا يفهمني القارئ خطأً، فالكاتب ليس مبهوراً أبداً باالتقليديين من المرشحين، أفراداً أو أحزاباً أو عائلات وما شابه لا بل بالعكس فهو يطالب بالتغيير، والقارئ قد شبع تلقّي الوعود، من شعارات الوطنية والسيادة والحرية والاستقلال، وكأنّه لا يزال في صفوف الدراسة، كما ومن بيانات العبور إلى تحقيق العدل والمساواة، فإلى عناوين دولة القانون والمؤسّسات… واللائحة ما زالت تتفاعل. وتكمن المشكلة الأساس في أنّ جميع مَن تعاقبوا على الترشيح على مرّ العهود (بفتح وضمّ الميم) لم يتقدّموا ببرامج انتخابية بمفهوم عصري وعلمي مقْنِع، أيّ بعيدٍ عن الشعارات وبتقديم خطط اقتصادية إنمائية اجتماعية شاملة وفيها نظام ضرائبي عادل (بعد التذكير أنّ النظام المعتمد في لبنان عمره 140 سنة وهو فرنسي المنشأ) نظام مبني على رؤية لإعادة توزيع الثروة الوطنية على الناس والمناطق والقطاعات، وبشكل دوري من خلال الموازنات السنوية والخطط المرحلية ممّا يؤمّن العيش الكريم وبالتالي الاستقرار المجتمعي. ولا تغيب عن أحلامنا «الكهرباء» العصية المنال من منطق «وجعلنا من الكهرباء كلّ شيء منتج».
وعلى الرغم من تعدّد الأنواع والألوان كما أشرت، سأحصر رسالتي هنا بتوجيهها إلى صنف واحد من صنفين غير تقليديين عادة ما يبرز في الميدان، أمّا الأحزاب والمجموعات المنظمة والعشائر والعائلات وغيرها، فطالما كان لها قواعدها ونظرتها الخاصة لإدارة أمورها في التعبير عن مفهومها لممارسة «حقّها في تقرير المصير» وهي لم تعد تشفي غليل.
واهتمامي ينحصر هنا في أفراد يظهرون على «المسطحات» وهم من صنفين: المغضوب عليهم والضّالّين. أمّا المغضوب عليهم، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم، وحسابهم في مكان آخر وقد يكون في زمن آخر. أمّا الضّالّين، وبعد متابعة إطلالات الكثيُرين منهم، وما أكثرها وما أكثرهم، وبعد سماع «طروحاتهم» الطامحة بأن تكون حديثة و»غير شكل»، فلنحاول محاورتهم من المنطق القائل: «… فوضعت الإخلاص للحقيقة في خدمة إحقاق الحقّ…، بحيث لا يمكنني أن أُكَوّن لنفسي رأياً في مشكلة معينة ما لم أستعرض الرأي المعاكس…» (**).
إذن أتوجّه إليهم بهذه الرسالة. أنتم تعرفون أنّه لا أمل لكم في النجاح، لا بل أنّكم تصرّحون بذلك علناً. كلّ الشعوب، وأنتم منها، باتت عادة ما ماذا ترفض وما ومَن هم (هنّ) الذين ترفضهم (هنّ). ولكن، القلّة القليلة هي التي تفصح عن ماذا تريد فتتقدم بخطّة إصلاح وإنقاذ وبرامج ومقترحات محدّدة ذات جدوى واضحة ومعها، قيادات تتمتّع بما تتطلّبه هذه المهمة، من مقوّمات النجاح في الخدمة العامة مثال الأخلاق أوّلاً، والتي تختزن مفاهيم السيادة والاستقلال والضمير الحيّ وحسن التصرّف والمصداقية… إلى جانب العلم والخبرة… وكلّها صفات شخصية، تلتصق مباشرة بالفرد وبسيرته ولا تُكْتَسَب لا بواسطة الشعارات ولا من طريق التمويل ولا عبر خطط المشاريع السياسية الخارجية.
ولا يغيب عن إدراكنا أنّ أيّاً من المرشّحين الانفراديّين لا يمكن له أن يكون مستقلاً والأسباب التي تحول دون ذلك كثيرة على افتراض أنّ المرشّح يتحلّى بالأخلاق والمزايا النادرة. أمّا الموانع، فتبدأ مع قانون الانتخاب الذي أولاً لا يسمح بالترشّح منفرداً، وثانياً بسبب الحاصل الانتخابي الإلزامي، وثالثاً لعلّة الصوت التفضيلي، وكلّها أسباب إلغائية لا تسمح بالبقاء مستقلّاً. ولا ننسى مفعول النفوذ السياسي والحدّ الأدنى من «المال الانتخابي» المطلوب ومنافسة الأحزاب والعائلات المتمرّسة في هذا المجال ولا ولن ننسى السفارات «الصديقة» وعموم الخارج.
وكي نتبيّن الغثّ من السمن، لا تغرّنك «الحوارات» واللايكات» ومعها الـ «إيموجيّات» التي تَصِلك عبر التواصليات التي تبرع أنت في استخدامها، فنتائجها الصادمة يوم الاستحقاق ستذكّرك بذاك الذي جمع آلاف «الأصدقاء» على منصة «الفايس» الخاصة به وعندما أعلن محزوناً عن تقبّله التعازي برحيل عزيز عليه اشتكى من غيابهم (هنّ) كلهم (هنّ)… ليصدق بذلك القول: «كلّن يعني كلّن».
فيا أيها المُضَلّل، في هذه المعركة المحورية، إذا لم تكن من هؤلاء، أصحاب الأخلاق الرفيعة والرؤية المستقلة الفذّة وسجلّ العمل الناصع النجاح، فاعرف أنّك مجرّد أداة لتضييع التركيز على الأهمّ، أداة تُسْتَخدم في سبيل تنفيذ مآرب مريبة للمموّل المشجّع المدرّب المستفيد وبهذا فأنت مجرّد مُخَرِّب لبيتك ولبيئتك ولشعبك وفي النهاية لبلدك. أعرف أنّك «ستتعاطف» مع البعض المحتاج من طريق توزيع مال انتخابي، وستقبض من مال انتخابي، هذا التعريف الملطّف لبيع الذات، وهو ثمن مستخرج من جوع الناس، ما قد يُسمّى خطأً مالاً سياسيّاً، فهذا مال الناس مِن أينما جاء، هو مال حرام، مال يُحَرَّم عليك التعامل به بجميع المقاييس الأخلاقية والدينية والإنسانية والاجتماعية وبالتالي العائلية. هذا من باب التحريم والتجريم والتغريم. وفي تلك الحالة أنت مجرّد «سائح» غير مؤثّر في عالم الإجرام والمال الحرام السياسي.
أيها الضّالّون الجُدُد… هلّا اتّعظتم؟ هذه ليست أوقات ترف وتسلية. هذه أوقات جدّ. هلّا خرجتم من ساحات الوغى، بسلام؟