أميركا تحارب روسيا بالعقوبات والحصار الاقتصادي والمرتزقة هل تتحمّل أوروبا قطع إمدادات الغاز الروسي؟
} عمر عبد القادر غندور
قال الرئيس الأميركي جو بايدن انّ بلاده لن تخوض حرباً عالمية ثالثة في أوكرانيا، ولم تتعاف بلاده وأوروبا بعد من تداعيات «كوفيد ١٩» الاقتصادية، والواضح حتى الآن انّ القيادة الروسية كانت محقة في غزو أوكرانيا التي تبيّن من خلال الوثائق المكتشفة انّها بقيادة الرئيس زيلينسكي المولود لابوين يهوديّين والذي تسلم الحكم ٢٠١٩ خلفاً للرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، كان يهيّئ أوكرانيا لتكون منصة متقدّمة للإضرار بروسيا سواء باستحضار السلاح وزرع المواقع النووية والبيولوجية، وسنعود بالتفاصيل الى هذا الملف في بيانات لاحقة.
ولأنّ الرئيس الأميركي لا يريد حرباً كونية ثالثة، فقد استعاض عنها بعقوبات اقتصادية ومالية وإعلامية لم يسبق لها مثيل، وأوقف جميع التعاملات مع روسيا بما فيها المتعلقة بالغاز الى جانب عقوبات بحق عدد من الشخصيات البارزة.
ومما يتضح حتى الآن انّ هذه العقوبات القاسية لن تضرّ روسيا فحسب بل القارة الأوروبية العجوز، الى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في جميع أنحاء العالم.
ولأنّ الولايات المتحدة لن توفر ايّ وسيلة للضغط على روسيا، ومنها استنفار المتطوّعين والمنظمات «الجهادية» التي رعتها في الشرق الأوسط لتخريب الدول العربية على نحو الربيع العربي وبدأت في إرسالهم الى أوكرانيا للقتال، وردّت روسيا وبلسان الرئيس بوتين انه سيستقبل المتطوّعين من الشرق الأوسط وافريقيا للقتال في أوكرانيا وعددهم لا يقلّ عن ١٦ الف متطوع قال الرئيس بوتين انهم أصدقاء ومحبون لروسيا.
وهكذا تنشب الحرب الأميركية الروسية بالواسطة وبالمال والسلاح !!
إلا انّ السلاح الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه الأمضى والأفعل هو قطع الشريان الاقتصادي الروسي المتمثل بأنابيب الغاز الروسي الذي يغطي نحو ٣٨ % من حاجة القارة العجوز.
فعلا هو سلاح مؤثر إذا استطاعت الولايات المتحدة ان تجفف هذا الشريان وتجد البدائل عنه، وهي ناشطة في الوقت الحالي.
هذا الصراع له أبعاد وتبعات اقتصادية لها علاقة بالأوضاع والتوازنات للقوى في أوروبا والعالم؟
وهل يستطيع الغرب ان يجد بديلاً سريعاً ومعقولاً ومستداماً للغاز الروسي من مصادر أخرى؟
وكيف ستواجه روسيا العقوبات القاسية وتبطل المساعي الأميركية؟
ولعلّ هذه المعضلة من أخطر القضايا المعقدة المتعلقة بإمدادات الغاز الروسي الذي يمثل ٣٨% من احتياجات القارة العجوز والمقدّر أن تزداد بعد تشكيل خط أنابيب نورديم ستيرم بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق ومنه يتفرّع الى بقية دول غرب أوروبا ووسطها؟
لذلك تسعى الولايات المتحدة للبحث عن بدائل لإمدادات الغاز الروسي من مصادر اخرى، وربما ترى فرصتها لتسويق الغاز الأميركي المُسال الذي تمتلك فائضاً منه في الأسواق الأوروبية.
والسؤال هل تستطيع الدول الأوروبية إيجاد بدائل سريعة ودائمة من مصادر أخرى إذا توفرت لها، ومشروطة بتوفير الاسباب التالية:
1 ـ ان تكون الكميات كافية ومتاحة.
2 ـ ان تكون الوسائل والأساليب اللازمة لتوصيله سهلة ومتوفرة.
3 ـ ان تكون الأسعار معقولة ولا تشكل ضغطاً على الدول الأوروبية والمواطن.
ووفقاً للبيانات المتاحة دولياً فانّ احتياط الغاز المتاح في روسيا حتى العام ٢٠٢٠ يبلغ ٤٨.٩ تريليون مكعب. وتأتي إيران في المرتبة الثانية باحتياطي قدره ٣٤.٥ ترليون متر مكعب، تليها قطر باحتياطي قدره ٢٨.٥ ثم تركمانستان باحتياطي ١٥.٣ ثم الولايات المتحدة ب ١٢.٩ ثم السعودية بـ ٨.٤ ثم الإمارات العربية بـ ٧.٧ ثم نيجيريا بـ ٥.٧ ثم مصر بـ ٢.١ ، أما هولندا فلم تعد تملك الكثير من احتياطات الغاز ولم تزد عن ١.١ وقد أغلقت أهمّ حقولها من الغاز، أما النروج في الكاد يكفي انتاجها لاحتياجاتها المحلية.
وفي مجال الإنتاج المثبت في العام ٢٠٢٠ فهو على الشكل التالي: ألمانيا ١٦%، إيطاليا ١٢%، فرنسا ٨%، بيلاروسيا ٨%، تركيا ٦%، و ٥٠ % من صادرات روسيا تذهب الى هذه الدول الخمس.
٩٢% من صادرات الغاز الروسي تذهب الى الدول الأوروبية لتدخل في تشابكات هائلة ومعقدة داخل الاقتصاد الأوروبي وبين منازل دول القارة العجوز.
وتشير وكالة «رويترز» انّ الولايات المتحدة التي تسعى الى غزو سوق الغاز الأوروبي لم تصدر الى هناك سوى ١.٦٤ طن من الغاز المتاح، بينما تمتلك روسيا ميزتين لا تتوفران لغيرها من المنتجين والمصدّرين الكبار للغاز وهو توفير الغاز من خلال الأنابيب نورديم ستريم واحد ونورديم ستريم اثنان بالإضافة الى السفن المحمّلة بالغاز المسال. ولا توجد دولة واحدة يمكنها استبدال هذا الحجم من الغاز الطبيعي المسال حتى قطر لا تستطيع زيادة صادراتها الى أوروبا لسببين اولهما ان معظم الاحجام القطرية محجوزة في عقود طويلة الاجل لمشترين اسيويين، وان كمية الاحجام القابلة للتصدير التي يمكن شحنها الى اوروبا لا تتجاوز ١٠ او ١٥ %.
كما انّ غياب إيران عن السوق واندلاع النزاع بين المغرب والجزائر وانعكاساته على وقف خط الغاز الواصل الى أوروبا عبر المغرب جعلا الغاز الروسي لا يمكن الاستغناء عنه او استبداله في المدى المنظور.
وها هي الحرب الروسية الأوكرانية تطرح على أوروبا السؤال المستحيل، وهل تستطيع تطبيق العقوبات على روسيا بما في ذلك إمدادات الغاز الروسي الى أوروبا.