«الإنجازات» في موسم الانتخابات…!
} علي بدر الدين
ليس مفاجئاً على الإطلاق أن ينتعش في موسم الانتخابات النيابية، سوق البيانات والبرامج والأكاذيب والاتهامات المتبادلة بين مكونات القوى السياسية في السلطة وخارجها، ورفع منسوب خطابها الطائفي والمذهبي والمناطقي، والتسويق لـ «إنجازاتها» التي حققتها، وادّعاءاتها بالدفاع عن حقوق طوائفها ومذاهبها وبيئاتها ومناطقها، وعن حجم الوعود الجوفاء والزائفة «الزائدة عن اللزوم» التي التزمت فيها وترجمتها ليس خدمة للشعب، بل لمصالحها، ولتثبيت مواقعها في السلطة وتراكم ثرواتها المالية والعقارية، وقد حان أوان دورها للملمة «أصوات» الناخبين في موسم القطاف الانتخابي، رغم الشكوك بإمكانية حصول الانتخابات، في موعدها المحدّد في الخامس عشر من شهر أيار المقبل.
إنّ المعطيات «الإيجابية» المصطنعة، والترويج السياسي والإعلامي المبالغ فيه لجهة إجرائها، لا تعكس الحقيقة بوجهيها الظاهري والمخبّأ، ولا تطمئن إلى أنّ مصير الانتخابات يسير في مساره الصحيح، لا سيما أنّ أرض لبنان ومن عليها من حكام وشعوب وقبائل وشرائح ومجموعات، خصبة أكثر من اللازم وولّادة للصراعات والخلافات السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية والمصلحية والنفعية والتحاصصية، بل طاغية بوضوح، ويمكن لها الإطاحة بكلّ شيء، ومنها بطبيعة الحال الانتخابات النيابية، الواقفة على حافة الهاوية والآيلة للسقوط مع أيّ هبة ريح آتية من الغرب، أو بفعل أيّ اهتزاز أمني يكون فوق العادة.
هكذا هو حال لبنان، منذ أن تكوّن نظامه السياسي الطائفي، الذي شاء له الخارج الانتدابي والمستعمِر، بالاتفاق ولو شكلياً، مع وكلاء الداخل المكشوف منهم والمستتر، المخطط له أن يكون مصدراً لمزيد من الأزمات والمشكلات والتعقيدات، والمزنّر بالألغام والقنابل المؤقتة الصوتية منها والحقيقية، لتكون «غبّ الطلب» وتفجيرها في الوقت المناسب، حماية للنظام القائم ووكلائه من المنظومات السياسية التي عَبَرت أو تلك التي أبّدت في السلطة، وأثبتت لغاية اليوم أنها حريصة على هذا النظام ووفية لمشغليها، وليس لوطن ودولة ومؤسّسات وشعب، وإن تبدّلت الطواقم السياسية والمالية الحاكمة وجوهاً وأسماء وقوىً، أو غيّرت عناوينها وشعاراتها، لأنها ستصبّ في نهاية المطاف، في «خراج» قوى الداخل والخارج المهيمنة وصاحبة القرار والفعل.
لا عجب في ما حصل ويحصل في لبنان في ظلّ حكم الطبقة السياسية وتسلطها واستبدادها، لجهة تمدّد الصراعات و»تورّم» الأزمات وانفلاش الخلافات واستيلاد ونبش ملفات وقضايا نائمة في الأدراج و»الأجندات» والعقول الخبيثة، مع أنها ليست مرئية للشعب ولا في حساب احد، ويتمّ قذفها فجأة ومن مقدمات وأسباب، على حلبة الصراع في توقيت مريب بهدف خلط الأوراق، وإعادة الأمور إلى نقطة البداية، أو المربع الأول، حيث تطغى بقوة على ما عداها وما سبقها من كوارث ومآسٍ، وتملأ الدنيا ضجيجاً وتشغل الناس الغارقة في الفقر والجوع والبطالة والحرمان والإهمال عن سابق إصرار وتصميم وقصد للحؤول دون تحقيق أي إصلاح أو تغيير أو إنقاذ منشود، رغم هذا الكمّ من الوعود التي تنضح بالنفاق والكذب والرياء، وتتذرّع بـ «ضياع الطاسة «لتغطي رذائلها وموبقاتها وما ارتكبته واقترفته ونهبته وتحاصصته على الأقلّ منذ ثلاثة عقود متتالية ونيّف.
ليس غريباً على هذه المنظومة افتعال مثل هذه الأزمات التي طفت على السطح ماضياً والتي تطفو حالياً، وتعمّد تكبير حجرها في أيّ مكان وزمان، وتحويل بعضها الى قضية رأي عام، ومادة مثيرة يمكن توظيفها واستثمارها لحصد ثمارها الشعبوية، وتوريط الناس فيها وتحميلهم تداعياتها وسلبياتها خدمة لمصالحها، وتحديداً في الموسم الانتخابي، لغايات وأهداف جمّة منها تعبئة البيئات الحاضنة، وإثارة غرائزها وعصبياتها، وتلقيحها بمضادات حيوية لاستفاقتها من غيبوبتها التي أدمنت عليها بفعل فاعلين، وبالتالي استنهاضها لتخوض معها «أمّ المعارك» الانتخابية و»تصوّت» لها في صناديق الاقتراع، ثم تتركها لقدرها بعد أن تطمئن الى ضمان فوزها واستمرار بقائها في الحكم والسلطة لمرحلة إضافية، وتتبخر وعودها التي تخرج منها كما تُخرج «الشعرة من العجين»، و»تدفش» جمهورها إلى الغرق مجدداً في سباته العميق، وصمته المعهود، كأن شيئاً لم يحصل، هكذا دواليك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
يُقال، إنّ هناك 31 نوعاً من الكذب، ومعظم المنظومة السياسية والمالية، أو بعضها الكثير يمارس «بصدق وشفافية» كلّ أنواع الكذب، يشاركها فيها بعض الشعب المرتهن والمستزلم والمنتفع و»المصلحجي» وإنْ اختلفت أشكاله وأنواعه، والكذب وفق الفيلسوف الألماني «إيمانويل كانت» هو «أكبر انتهاك يقوم به الفرد ضدّ نفسه أولاً، ثم ضدّ الآخرين، ومع ذلك لا يتورّع البعض عن ممارسته والتفنن به، حتى أصبح جزءاً أساسياً في حياتهم». في حين يقول أفلاطون «كذب الحاكم كالنهر العظيم الذي تستمدّ منه الأنهر الصغيرة المياه، فإنْ كان عذباً عَذبت، وإنْ كان مالحاً ملحت، والحاكم الظالم إذا اطمأنّ إلى أنّ أحداً غير قادر على أن يقلّم أظافره، مضى في بطشه ولا يخشى أحداً، والحاكم المستبدّ في العادة من أجبن الناس، وما يغريه في الظلم والاستبداد أنه آمن العقاب»…
للأسف هذه هي حال الشعب اللبناني المسكين مع أغلب سياسييه، الذين يعيشون ويعتاشون على الكذب ويصدقون من يكذب عليهم، وينامون على كذبة «بيضاء» ويفيقون على كذبة كبيرة سوداء وأسواق سوداء و»مافيات» وتجار جشع واحتكار، حوّلت معيشتهم وأيامهم إلى سواد حالك وعتمة شاملة وفقر مدقع وجوع تنتفخ منه البطون، وتؤدّي إلى الاحتضار البطيء، لكنهم لا يزالون يصدّقون ويأملون الخير والإنقاذ والتعافي!