كيف يغار الأميركيّون من اليمنيّين؟
ناصر قنديل
– ينقل أحد الدبلوماسيين الأوروبيين رداً قاسياً لمسؤول أميركي كبير في أحد الاجتماعات عبر الفيديو المخصصة لتقييم الحرب في أوكرانيا، رداً على الانتقادات التي تلقاها من مسؤول أوكراني كبير مشارك في النقاش، حول ما وصفه بسياسة التخلي الأميركي عن الأوكرانيين واللجوء لسياسة رفع العتب لغسل الأيدي من دماء الأوكرانيّين، في حرب تركوا وحدهم يخوضونها بوجه آلة حربية ضخمة، يستحيل تحقيق النصر عليها، للقول في خاتمتها، لقد فعلنا كل ما نستطيع ففرضنا العقوبات على روسيا، وقدّمنا المال والسلاح لأوكرانيا والإيواء للاجئيها، وآسفون للنتيجة. ويقول الدبلوماسي إن المشاركين الذين توقعوا من المسؤول الأميركي جواباً بنبرة الاعتذار يتضمن شرحاً لتعقيدات التدخل المباشر، ومخاطر الحرب النووية، أنهم فوجئوا بالمسؤول الأميركي يسأل زميله الأوكراني، وكل منهما يتحدّر من اليسار الذي تحول لاحقاً إلى تيار المحافظين الجدد، ويتباهيان بخلفيتهما الفرانكوفونية الثورية، ويقول له هل تعتقد أنكم تمثلون شعبكم في خوض معركة مصيرية لقضية عادلة ومحقة، فتعال نقارن حالكم بحال اليمنيّين، الذين يقاتلون جاراً أشدّ قسوة ووحشيّة من جاركم، ولا تحاصره العقوبات، بل يلقى الدعم والمناصرة من غالبية دول العالم، وهم المحاصرون براً من كل الجهات، ورغم كل التوقعات بأن تُحسَم الحرب في غير صالحهم في ايام او أسابيع، ها هم يفاجئون العالم بأنهم لم يحققوا الصمود فقط، وقد أداموا حربهم لسبع سنوات ويستمرون، بل صنعوا خلال سنواتها معادلات جديدة، فرضتهم شركاء في معادلات ما كانوا ليتخيّلوا قبل الحرب شراكتهم فيها، كأمن البحر الأحمر وأمن الطاقة، فما الذي ينقصكم لتفعلوا المثل، وأنتم تلقون أكثر مما توفر لهم، وعدوكم يواجه ما لم يواجهه عدوهم، وما بينكم وبين عدوكم يشبه في الكثير من وجوهه ما بينهم وبين عدوّهم؟
– بمعزل عن صدقيّة المقارنة، وعن درجة انطباقها على الحرب في أوكرانيا، وعن صدقية الأسباب الأميركيّة للتهرب من الدخول على خط الحرب، يدخل اليمن العام الثامن للحرب التي شنها عليه السعوديون بدعم أميركي، وصمت دولي كان ولا يزال العلامة الشائنة على ما يُسمّى بضمير الإنسانية، أمام هول الكوارث التي لحق بالشعب اليمني، وعاماً بعد عام وهم يدهشون العالم، بصمودهم الأسطوريّ، وشجاعتهم الاستثنائية، وحكمة قيادتهم وقدرتها على تقديم المقاربات السياسية والعسكرية التي تلائم كل لحظة وكل متغير، وقد حسم أمر نجاحهم بتحويل الحرب التي كان النقاش في بداياتها، حول حجم قدرتهم على الصمود في مواجهتها، الى النقاش حول حجم قدرة من خاض الحرب عليهم على تجاوز المأزق الذي وضعوه فيه، وقد تغيّر على أيديهم مفهوم الحرب، فأدخلوا العالم مستفيدين من كل ما ابتكرته حركات المقاومة، في عصر حرب جديدة، تقرّر مصيرها الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنّحة، وينجح فيها شعب فقير محاصر بأن يبتكر ويقوم بالتصنيع، ويتفوق على الآلة الحربية العملاقة والمتوحشة التي تقف مقابله بكل أدوات الموت والدمار والحصار، وحوّلوا الحرب التي أرادها الأميركي مدخلاً لاستراتيجية السيطرة على المضائق والممرات المائية إلى باب لعنوان جديد هو، مأزق أمن المضائق والممرات في مواجهة حركات المقاومة، وقد جاءت سفن كسر الحصار التي جاء بها حزب الله من إيران الى سورية فلبنان ترجمة لهذا المأزق، وحوّلوا الحرب التي أرادها الإسرائيلي «نقطة تحوّل»، يسقط عبر تحالفاته الخليجية فيها معادلة نشوء محور للمقاومة، الى معادلة حضور جبهة جنوب الجنوب في أي حرب مقبلة الى مصدر قلق حقيقي، وربما وجودي، لكيان الاحتلال، بينما يخرج ملايين اليمنيين في مناسبات فلسطين، يعبرون فوق الحصار والدمار، يقسمون بالقتال لحريتها، وحوّلوا معادلة الإمساك السعودي الحصري بأمن الخليج بصفته أمن ممرات الطاقة العالمية، الى نقطة الضعف العالميّة في أمن الطاقة، حيث يمسك اليمن بأمن المنشآت النفطية الحيوية، وأمن ناقلات النفط العملاقة، في الخليج.
– قد يكون في بال المسؤولين السعوديين أكثر من سيناريو لمبادرتهم نحو حوار برعايتهم في الرياض تحت عنوان الحل السياسي في اليمن، من سيناريو قطع الطريق على موقف إماراتي يفاوض على حل منفرد للخروج من الحرب، بجعل المبادرة تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي إحراجاً لكل أعضائه، الى سيناريو جعل المبادرة مجرد غطاء لصفقة تنال السعودية بموجبها المزيد من السلاح الأميركي، تشكل صواريخ الباتريوت دفعته الأولى، مقابل تعهد السعودية بزيادة ضخ النفط في الأسواق العالميّة، الى سيناريو مخاطبة المتغيرات التي أنتجتها الحرب الأوكرانية والتي سينتجها الاتفاق النووي الإيراني، بإنشاء منصة قابلة للتعديل والتطوير، لكن الأكيد أنه لم يبق لدى السعودية خيار عسكري على الطاولة. وفي ظل الحيوية التي فرضها اليمنيون على ستاتيكو الحرب بدخولهم على خط التأثير على أزمة أمن الطاقة في العالم، سيكون على السعوديين والأميركيين أخذ الدعوات اليمنيّة لمراجعة خططهم على محمل الجد، وتلك فرصة لا يجب أن يفوّتها السعوديون على الأقل!