النتائج المرتقبة للأزمة الأوكرانية…
} زياد حافظ*
العملية العسكرية الواسعة التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا لها تداعيات مفصلية على صعيد التوازنات الدولية والإقليمية كما أنها تعيد رسم الخرائط السياسية والاقتصادية والثقافية. النتائج الأولية لتلك العملية، التي لم تنته عند إعداد هذه المقاربة تدلّ بوضوح على التغييرات التي رُصدت منذ عدّة سنوات ولكنها لم تكن ظاهرة للجميع. فالغرب في أفول متسرّع والامبراطورية الأميركية في حال تفكّك تنذر بانهيارات داخلية تضع وجود الولايات المتحدة قاب قوسين على الأقل بالنسبة للشكل التي نعرفها.
فالنتائج على الصعيد السياسة والاقتصاد، دوليا وإقليميا، انعكست على التحالفات القائمة وعلى بروز تحالفات جديدة. فعلى صعيد التحالفات القائمة نرى التصدّع داخل أوروبا الغربية بين الدول ومؤسسة الاتحاد الأوروبي، كما نرى تصدّعا بين الدول الأوروبية البارزة كألمانيا وفرنسا مثلا مع الولايات المتحدة رغم التحليلات التي تفيد أن قبضة الولايات المتحدة ازدادت بسبب العملية العسكرية الروسية وضرورة تأمين “وحدة الصف”. فهذه “الوحدة” التي كانت هشّة قبل الأزمة زادت في هشاشتها رغم المظاهر. فدول مثل المانيا وفرنسا أصبحت في واجهة المتلقي للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على روسيا سواء على الصعيد الصناعي أو الطاقة أو المال. والسردية الإعلامية ضدّ روسيا في الدول الأوروبية لن تصمد أمام الواقع الاقتصادي الجديد الذي تفرضه سياسة العقوبات التي بدأت مفاعيلها ترتدّ على الدول الأوروبية على صعيد ارتفاع أسعار السلع بشكل عام والطاقة بشكل خاص. فأوروبا تستورد حوالي الثلثين من حاجاتها الغازية والنفطية من روسيا حيث لألمانيا حصة الأسد (40 بالمائة من حاجاتها الغازية تأتي من روسيا).
أما على صعيد التحالفات الجديدة فنرى تقارباً لم يكن متوقّعاً بين الهند والصين وخاصة بعد التهديدات التي أطلقتها مؤخراً إدارة بايدن تجاه الهند. وفي أميركا الجنوبية هناك توجه واضح نحو تقارب مع كلّ من روسيا والصين. أما في أفريقيا، فالدول الأفريقية بدأت تقدّر النموذج الروسي الصيني في العلاقات الدولية المبني على القانون الدولي ومبدأ “رابح رابح” للجميع. تجلّى ذلك بعدم الموافقة على المشاركة في العقوبات التي تريد فرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا. أما التصعيد الأميركي المتمثل بمعاقبة كل من يخالف قرارها ويستمر في التعامل معها فكان الردّ الروسي ومعه دول الكتلة الاوراسية بعرض نظام مالي خارج الدولار. ما زلنا في بداية الطريق لنظام مدفوعات جديد خارج الدولار ولكن النتيجة الفورية هي تخفيف وطأة التهديدات الأميركية بعزل الدول “المتمرّدة” عن منظومة السويفت.
هنا لا بدّ لنا من الإشارة إلى أنّ المواجهة القائمة في أوكرانيا هي في الحقيقة مواجهة كونية تأخذ عدة أشكال متكاملة وليست متناقضة. فهي مواجهة بين الرأس المالية الصناعية المتحالفة مع الاشتراكية ((روسيا والصين ومن يتماهى معهما) والرأس المالية التي تتعاطى فقط في المال (الغرب). وهي أيضا بين العولمة المالية (الغرب) والعولمة المبنية على الهويات القومية والخصوصيات. وهي مواجهة بين رؤية للنظام العالمي المبني على “القيم والأحكام” (الغرب) ورؤية مبنية على القانون الدولي (روسيا، الصين ودول الجنوب الإجمالي). هي مواجهة بين الاقتصاد الفعلي الإنتاجي والاقتصاد الافتراضي المالي الريعي. هذه بعض من المواجهات في السياق الفعلي للصراع القائم والتي كل واحدة منها تستحق مقاربة منفصلة قد نقدمها في مرحلة لاحقة.
الغرب لا يعتبر روسيا منه
وفي خطاب في غاية الأهمية الذي القاه الرئيس الروسي في 16 آذار/ مارس أعلن فيه القطيعة الرسمية مع الغرب بشكل عام على الصعيد الاقتصادي والسياسي. أشار الرئيس الروسي في خطابه إلى القرصنة التي مارسها الغرب تجاه الموجودات والأصول المالية الروسية ما قطع شريان الثقة بالمؤسسات والقوانين الغربية. وشّجع المستثمرين الروس في الغرب على العودة إلى روسيا والعمل في روسيا لأن الغرب سيسرق أموالهم كما فعلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بحق الأموال الإيرانية والفنزويلية والليبية ما يدلّ على الاستسهال في سرقة من يعتبرونهم دونهم حضاريا. الغرب لا يعتبر روسيا من الغرب بل جزءاً من الشرق البغيض. حروب البلوبونيز اليونانية الفارسية في العصور القديمة قبل الميلاد وحملات الفرنجة على بلاد الشرق واستعمار كل هذه الدول من قبل الغرب دلائل تؤكّد على العنصرية المتجذّرة وانعدام معايير الاخلاق عند النخب الحاكمة الغربية.
هذه القطيعة مع الغرب بشكل عام ومع أوروبا الغربية بشكل خاص تعني أن سلامة الاقتصادي الأوروبي مهدّدة بشكل بنيوي سينعكس بشكل تلقائي على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في تلك البلدان. فإذا كان تجميد الأصول المالية والاحتياطي الروسي الموجود في الغرب مظهرا من “مظاهر القوّة” فإن ذلك يعكس أيضا سذاجة الغرب الذي وقع ضحية لتلك العنجهية. فلا يمكننا أن نقرأ ونفهم ما حصل إلاّ من منظور لاعب الشطرنج الماهر الذي يضحّي عن قصد وتعمّد لبيدق في افتتاح اللعبة ليحقق مكسباً استراتيجياً في السيطرة على وسط طاولة الشطرنج. هذا ما يُعرف ب “مناورة الملكة” أو (queen gambit). فالرئيس الروسي وفريقه خطّطا للعملية العسكرية على الأقل منذ 2014 وبالتالي كانا يدركان أن الغرب سيقدم على مصادرة الأموال كما حصل مع إيران عندما قامت الثورة الإسلامية، وكما صادرت أموال ليبيا، وفي ما بعد أموال فنزويلا ومؤخرا أموال أفغانستان. تسرّعت حكومات الغرب بوضع اليد على الأصول الروسية ولكن بالتالي قالت لمعظم العالم أن الأموال المودعة في المصارف الغربية أموال تقوم بقرصنتها متى شاءت. هذا سيسهّل إقامة منظومة مدفوعات مالية دولية جديدة خارج إطار سيطرة الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. كما تنذر بأفول الدولار الحتمي حيث الدول قد تتوقف عن طلب الدولار لتلبية حاجات التجارة الخارجية كما تمهّد لتسعير السلع الاستراتيجية بأسعار غير الدولار أو غير مستندة إلى الدولار. هذا ما قصدناه في مقال سابق أنّ الولايات المتحدة حقّقت مكاسب تكتيكية ظرفية ولكن في المقابل تكبّدت بخسارة استراتيجية قد تنذر بزوال إمبراطورتيها الافتراضية تمهيداً ربما لزوالها كدولة أو كيان سياسي. الدرس الأساسي لتلك المناورة هو اعتبار الدولار (الاحتياط النقدي المعمول به منذ السبعينات) لا قيمة له بينما الأساس هو الغاز والنفط!
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى التقدّم في الإجراءات بين دول آسيا الوسطى وروسيا والصين حول إنشاء نظام مدفوعات خارج إطار الدولار. ففي المؤتمر الذي عقد مؤخرا في مطلع شهر آذار/ مارس 2022 في مدينة يريفان في أرمينيا بين مسؤولين من الدول الخمسة للمجموعة الاوراسية (روسيا، بيلاروسيا، أرمينيا، كير غستان، طاجكستان) إضافة إلى دولة كازاخستان تم الاتفاق على إنشاء المؤسسات المالية للمدفوعات على أن تقدّم مسودات هيكلية والنظام الداخلي خلال شهرين. وهذا النظام قد يعتمد العملات الوطنية لدول آسيا مستندة إلى اليوان الصيني. أما على الصعيد الداخلي الروسي فالتعامل بالروبل المستند إلى الذهب سيعيد السياسات النقدية التي كانت تستند إلى نظام التبادل المرتكز على الذهب ولا يخضع لتقلّبات الأسواق المالية والمضاربة. الفكرة الأساسية هنا هي ضرورة ربط العملات بالاقتصاد العيني وليس بالاقتصاد الافتراضي الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم خلال العقود الخمسة الماضية.
ما يعزّز التوجّه إلى إيجاد منظومة مالية مختلفة عن تلك التي تعتمد الدولار قرار الرئيس الروسي تجاه الدول “غير الصديقة” بعدم قبول دفع مستحقات مشترياتها من الغاز والنفط بعملة غير الروبل الروسي. هذا قرار كبير وإنْ كان محصوراً بالدول غير الصديقة لأنه ترجمة عملية لرفض التعامل بالدولار. والقرار الروسي يلغي تلقائياً أهداف الهجوم على الروبل بغية خلق اضطرابات داخلية لأنّ القرار يعني ارتفاع الطلب على الروبل وانخفاض الطلب على الدولار. فهذا قرار استراتيجي يعني ان المواجهة مع الدولار أصبحت مفتوحة وانّ موجة العزوف عن الدولار في التجارة العالمية (de-dollarization) يعني نهاية هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، بل أيضاً على السياسة الدولية بفقدانها سلاحها الأساسي أيّ الدولار.
القطيعة مع الغرب ليست سياسية واقتصادية فحسب بل باتت ثقافية. فالعنصرية التي طغت على السردية الغربية لأحداث أوكرانيا اسقطت جميع الأقنعة التي كان تُخفي (لمن لم يكن يريد أن يرى ذلك) ادّعاءات الغرب بـ “الديمقراطية” و “حقوق الإنسان” و “حكم القانون والمؤسسات” و “التنوير” و “الحداثة” و “معاداة العنصرية” وسائر الأوهام والأكاذيب التي تسوّقها النخب الغربية وفقاً لمصالحها الضيّقة. فحتى المواطن الأميركي صُدم من عنصرية مراسلي المحطات الأميركية التي كانت تراسل من “ارض الميدان” في تصنيف المهاجرين والنازحين الاوكرانيين كناس أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر والبشرة البيضاء! أيجوز ذلك في دول متحضّرة ليست كالعراق أو أفغانستان أو سورية!؟
لن تكون أوكرانيا كما عرفها العالم
الإجراءات الغربية تجاه روسيا لها تداعيات كبيرة على جميع الأطراف المتصارعة وعلى مجمل العالم. المتضرّر الأكبر هو أوكرانيا حيث مستقبلها أصبح فعلياً قاب قوسين. فعندما تسكت المدافع لن تكون أوكرانيا كما عرفها العالم بل ربما مجموعة من الأقاليم منها تحت السيطرة الروسية، ومنها تحت السيطرة البولونية، ومنها تحت السيطرة المجرية والرومانية. أما أوكرانيا بحدّ ذاتها فقد لا تتجاوز ما يوازي 30 بالمائة من المساحة الحالية وستكون معزولة عن البحر الأسود.
المتضرر الثاني هو أوروبا الغربية بشكل عام وألمانيا بشكل خاص. فأوروبا بحاجة إلى روسيا بينما الأخيرة ليست بحاجة إليها. ليس هناك ما يمكن أن تعطيه أوروبا الغربية لروسيا بينما تحتاج أوروبا للطاقة التي توردها إليها روسيا إضافة إلى المعادن الأساسية للصناعات الغربية وإضافة إلى الحبوب التي تنتجها روسيا وأوكرانيا. أما المانيا فتستورد حوالي 40 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الروسي بعد أن أقفلت محطّات انتاج الطاقة النووية. فأصبح اقتصادها مرتبطا بالغاز الروسي. وتجميد خط الشمال 2 (نورستريم 2) سيجعلها تستورد طاقة من الغاز السائل بكلفة تفوق عشر أضعاف أو أكثر وبعد أن تكون بنت محطات تفريغ وتخزين الغاز المستورد من الولايات المتحدة أو قطر وإيجاد الأساطيل التي تستطيع نقل هذه الطاقة بالكميات المطلوبة. وهذا لن يحصل قبل عدة سنوات وبكلفة مرتفعة. أضافة إلى كل ذلك فالشركات اتي كانت معنية بتشغيل نورستريم 2 ستنقلب على الدولة الألمانية وتطالبها بتعويضات تقدر بأكثر من 20 مليار يورو. أما الشريك الروسي غازبروم فقد استطاع التعويض عن خسارة عدم تشغيل نورستريم 2 عبر ارتفاع أسعار الغاز في العالم. وعلى صعيد آخر فإن ارتفاع كلفة الطاقة ستؤثر بشكل مباشر على القدرة التنافسية الصناعية الألمانية وخاصة تجاه الصين والعديد من الدول النامية ما يمكن أن يدخلها في عصر ما بعد التصنيع وتصبح دولة ضعيفة وهزيلة كما أصبحت المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة. فالاقتصاد الافتراضي الريعي لا يمكن أن يصمد أمام قوة اندفاع الاقتصاد العيني المنتج الذي تتمتع به دول كالصين والهند والبرازيل وماليزيا وحتى الجمهورية الإسلامية في إيران وغدا دول المشرق العربي والمغربي.
ارتفاع أسعار الطاقة سيؤدّي إلى ارتفاع أسعار المواد والسلع في كل أنحاء العالم وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة. فإضافة إلى ضعف النمو في الإنتاج بسبب جائحة الكورونا جاء النقص في المواد وخاصة المواد الغذائية وأضيف إليها رفع كلفة الطاقة. فبالحد الأدنى ستدخل أوروبا الغربية مرحلة انكماش اقتصادي كبير قد يصل إلى مستوى كساد ويتلازم معه في المرحلة الاولي تضخم في الأسعار الاستهلاكية والإنتاجية مما يخلق حلقة مفرغة من انخفاض الإنتاج إلى انخفاض في الدخل إلى انخفاض في الاستهلاك إلى انخفاض في الإنتاج وكذلك دواليك. أما على صعيد الدول النامية، وخاصة في أفريقيا، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ستخلق أزمة غذاء حيث 25 دولة تستورد حوالي ثلث حاجياتها من الحبوب من روسيا. ودولة بنين تستورد مائة بالمائة من احتياجاتها في القمح والحبوب من روسيا. وفي هذا السياق الدول العربية لن تكون بمنأى عن تداعيات الازمة الغذائية. فدول كمصر واليمن وسوريا ولبنان تستورد الحبوب من روسيا وأوكرانيا. فانقطاع التوريد من روسيا وأوكرانيا سيخلق أزمة اجتماعية إضافية على الازمات التي تمر بها كل هذه الدول وخاصة اليمن ولبنان.
لذلك يمكن القول ان العقوبات المفروضة على روسيا ستؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا الغربية وإلى أزمات عميقة في الاقتصاد العالمي ناهيك عن التداعيات الاجتماعيات في دول العالم الخاضع لسياسة العقوبات. وهذه الزعزعة والازمة الاقتصادية التي ستتفاقم سيكون لها ارتدادات سياسية كبيرة يكون الغرب الخاسر الأكبر. فالولايات المتحدة بدلا من أن توحد العالم ضد روسيا توحد العالم ضدّها. والتحالفات القديمة والقائمة في الغرب بدأت تشهد تصدّعات بينها ومع الولايات المتحدة.
والولايات المتحدة بنفسها ليست بمنأى عن تداعيات الفشل في المواجهة في أوكرانيا. فالتحالف الذي أوصل بايدن إلى البيت الأبيض يشهد تصدّعا لأن الرئيس الأميركي لا يميل إلى التصعيد في المواجهة التي يعرف أنها خاسرة. ويساند الرئيس الأميركي البنتاغون. لكن بالمقابل تحالف المحافظين الجدد والمتدخلين الليبراليين والاعلام وأجهزة المخابرات يريد التصعيد. وهو غاضب من بايدن. لذلك قامت صحيفة “نيويورك تايمز” بنشر خبر يؤكّد صحّة المعلومات عن حاسوب هنتر بايدن، نجل الرئيس الأميركي، المليء بمعلومات تفضح فساد عائلة بايدن في أوكرانيا. وهذا الحاسوب تمّ التستّر عنه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في 2020 لأنّ المعلومات قد تلغي فرص فوز بايدن في الانتخابات. والسؤال الذي يطرح لماذا أقدمت الصحيفة الأميركية على نشر هذا الخبر؟ هناك من يعتقد ان التأكيد على صحة المعلومات الفاضحة قد تشكّل إنذاراً أخيراً لبايدن ليلتزم بما هو مُقرّر. من جهة أخرى أعلنت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن نشر كتاب في 3 أيار/ مايو بعنوان “لن يمر ذلك: ترامب، بايدن، والمعركة لمستقبل أميركا” للكاتبين الصحافيين من “نيويورك تايمز” جوناتان مارتن والكس بيرنز يشير إلى أنّ زوجة بايدن لم تكن ترغب بوجود كمالا هاريس كنائب رئيس. أيّ هناك موجة متنامية في الإعلام المهيمن يوحى بأنه فقد ثقته ببايدن. وبما أنّ وضع الحزب والإدارة حرج للغاية فاحتمالات الفوضى الداخلية كبيرة جدا مما يؤثّر على أداء الإدارة في مواجهة مختلف القضايا والأزمات التي افتعلتها.
أما على الصعيد العربي، فبدأت تظهر تباشير المراجعات السياسية الكبرى عند حلفاء الولايات المتحدة حيث نظرية ملكية الولايات المتحدة لـ 99 بالمائة من الأوراق بدأت تترنح كيف لا نقول تسقط بشكل نهائي عند العديد من الدول وفي مقدمتها دول الخليج ومصر.
من ضمن إرهاصات في التحولات العربية “تمرّد” بعض دول الخليج على القرار الأميركي بالخروج عن قرارات أوبك + التي تضم روسيا. كما ان عدم اخذ مكالمات الرئيس الأميركي لكل من ولي عهد بلاد الحرمين وولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة لم يكن ممكنا تصوّرها منذ ما قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية. أضف إلى كل ذلك تصريحات بعض المسؤولين حول تخفيف الاستثمارات في الولايات المتحدة والقبول بالتعامل بعملات غير الدولار في تسعير بعض السلع الاستراتيجية يهدّد مكانة الدولار كعملة احتياط وحيدة أو حتى رئيسية في النظام العالمي.
أنّ كلّ تلك التحوّلات المفصلية في العالم لم تكن لتحصل لولا محور المقاومة وخاصة صمود سورية واليمن وإفشال المشروع الأميركي في العراق وتنامي مقاومة الشعب الفلسطيني. فلا يعتقدّن أحد أنّ الدور العربي كان غائبا بل هو الذي أتاح الفرصة لكلّ من الصين وروسيا والجمهورية الإسلامية في إيران لبناء قدراتها بينما محور المقاومة كان يتصدّى ويُفشّل المشروع الأميركي الصهيوني. فالسيطرة على آسيا هي الشرط الضروري للسيطرة على العالم والمشرق العربي هو البوّابة لها. فمن يتحكم بتلك البوّابة يستطيع أن يسيطر على آسيا. محور المقاومة أفشل المحاولات الأميركية الصهيونية وهو الذي سيكون بيضة القبّان في التوازنات الدولية الجديدة إذا ما أحسن التعاطي مع المعطيات الجديدة على الصعيد المحّلي في كل مكوّن من مكوّنات المحور.
*باحث وكاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي وعضو الهيئة التأسيسية للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي