محاولات متجدّدة لكن فاشلة لفكّ التحالف بين سورية وإيران…
} رنا العفيف
السياسة الخارجية الإيرانية ثابتة في مواقفها وجيدة مع دول الجوار لا سيما سورية، في ظلّ التوازنات المقبلة لقضايا المنطقة بالمجمل والتغيّرات الحاصلة نتيجة كسر العزلة العربية، فكيف إذا كانت العلاقة الوطيدة التاريخية بين طهران ودمشق، التي تتمحور حول التحركات الدبلوماسية اللافتة للأنظار، وتحديداً زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق والتي لها وقع بارز في تحليل التوقيت من ناحية وما تحمله من إشارات ايجابية تقلق «إسرائيل».
لا بدّ من النظر إلى العلاقات الطويلة الأمد التاريخية البارزة، وإلى اللقاءات الرفيعة المستوى التي تربط سورية وإيران، من خلال الأهداف المشتركة والتضحيات والمصير الواحد التي تختصر بصدّ الهيمنة الأميركية «الإسرائيلية» ومرتزقاتها بافتعال مشروع الإرهاب وترميمه بين الحين والآخر، ترك أثراً طويلاً لدى الطرفين في دحر الإرهاب المتطرف، فكان لهذا التنسيق والتعاون الاستراتيجي نتيجة حتمية لوقع الظروف ونتاج محور قوي متماسك لا يمكن لأيّ كان إزالته وكسر جداره. وقد أكد وزير الخارجية السورية د. فيصل المقداد ذلك عندما قال بأنّ سورية حريصة على أن تسود أفضل العلاقات بين دول المنطقة بما في ذلك بين إيران والدول العربية وكان من الواضح انّ هذا الحرص لا يشاطره إياه بعض العرب، والمؤشرات على ذلك ما حدث في قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيس المصري ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» وولي عهد أبو ظبي، أثار جدالات واسعة لدى البعض تتجه نحو استقطاب العلاقة السورية الإيرانية التي صدرت عن وسائل إعلام غربية تريد التشويش على هذه العلاقة، فكان الردّ بزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق والذي أكد أيضاً على وقوف سورية وإيران في خندق واحد، فكان عامل التوقيت مهماً جدا على صعيد الحرب النفسية وما آلت إليه التحولات الدولية والاقليمية من صخب واسع النطاق بين أوساط تحليلية «إسرائيلية» وأميركية دائمة الترقب في الأجواء السياسية المنفتحة على سورية وتحديداً إيران، إذ أنّ خبراء ومعلقين تناولوا رواية التشكيك والتهويل في ذلك وسوّقت «إسرائيل» لنظرة الحسود اللئي،م إذ أنّ الكثيرين تحدث عن زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات، ومن بعدها قمة شرم الشيخ، وأخذ البعض يضرب بالمندل السياسي شرقاً وغرباً ينشر معلومات حول استقطاب سورية باتجاه ما أسماه البعض «الحضن العربي»، ولكن الحقيقة غير ذلك، وعلى خلفية اقتراب التوقيع النووي الإيراني مع واشنطن أتت زيارة وزير الخارجية الإيراني لإطلاع القيادة السورية على مجريات المفاوضات وآخر التطورات، فكانت الزيارة طبيعية من جهة ومن جهة أخرى توصل رسائل فحواها بأنّ ما يجمع بين طهران ودمشق أكبر بكثير مما تصوّره البعض، أيّ أنّ محوراً أو حلفاً كهذا القائم بين إيران وسورية واجه الضغوط الاقتصادية والسياسية وما أفرزته ضغوط الحرب على سورية، ترك بصمة وبعداً سياسياً تاريخياً يُحتذى به عالمياً، وأدى إلى طرف منتصر وآخر لا يزال يراهن على مسودات سياسية تالفة لا تصبّ في مصلحة أحد…
إذن أسباب الزيارة والتحركات الدبلوماسية المباشرة هي أنّ غالبية الأطراف راهنت على أمور معينة وخسرت، وعلى سبيل المثال تركيا في ما يتعلق بدعمها السياسي وغير السياسي لجماعات متطرفة لا يمكن أن تحقق ما كانت تصبو إليه، وبالتالي عادت إلى السياسات الواقعية حتى في موقعها بالحرب في أوكرانيا، وفي ما يتعلق بقضايا الأمة العربية كانت إيران حاضرة بقوة كدور هامّ وبارز في الإقليم ولا تزال تبحث عن معالجة الفجوات الموجودة التي قد ينفذ العدو منها لتغلق ثغرات الهواجس على أسس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى جميع الدول وبالأخصّ السعودية أن تدرك ذلك الأمر من مبدأ احترام السيادة والاستقلال بعيداً عن التبعية…
وبالنسبة للمحاولات «الإسرائيلية» التي تحاول دقّ إسفين في العلاقة بين البلدين فهي فاشلة قولاً واحداً، كما فشلت حليفتها واشنطن، خاصة أنّ ما تريد تحقيقه ليس خافياً أبداً وقد توضح خلال وزير الحرب «الإسرائيلي» عندما قال: «لو انخرطت سورية في محور السلام مع «إسرائيل» لما شُنت عليها الحرب الكونية»! إذن… هذا الامتعاض هو عبارة عن قلق كبير ينتاب «إسرائيل» من هذه العلاقة السورية ـ الإيرانية، وعلى بعض الدول وليس فقط «إسرائيل» أن تفهم أنّ هذا الحلف مستعدّ للتضحية وتقديم المزيد في سبيل تعزيز الأمن والاستقرار، وفي ذات الوقت هي تريد أن تفتح الحوار والتعاون الجدي بهدف أن يكون الإقليم والدول العربية أكثر استقلالية، وكذا العلاقة الخليجية التي يسعى بعضها لفك الارتباط السوري ـ الإيراني كما تمّ تسريب معلومات عبر وسائل الاعلام، وعبّرت «إسرائيل» عن استيائها في تسريب معلومات تفيد بأنّ إيران كانت الحاضر الأكبر في النقاشات وخصوصاً في ظلّ اقتراب واشنطن وطهران من إعادة إحياء الاتفاق النووي، متجاهلة في محاولتها جمع حلف جديد هدفه الأساسي مواجهة إيران المنفتحة على المجتمع الدولي من أوسع بوابه، ليبقى السؤال المركزي هو هل «إسرائيل» ستنجح في تكوين حلف، أم ستفشل مثلما فشلت أميركا بكلّ ما أوتيت من إمكانات سياسية وعسكرية واقتصادية، وماذا عن إيران التي لم تتجاوز طاقة الحصار؟