هل تصلح الانتخابات ما أفسده دهر السياسة؟
} علي بدر الدين
لم يعد مقبولاً ولا ممكناً أن تبقى المنظومة السياسية والمالية، تتحكًم بكلّ فجور ووقاحة بمصير الوطن والدولة والشعب، وتصادر المؤسّسات والحقوق والمقدرات والموارد العامة والخاصة، من دون أن يرفّ لها جفن، أو تخجل من نفسها ومن اللبنانيين، الذين ازدادت حمولتهم، وفاضت آلامهم، وأُفرغت جيوبهم، وتلاشت آمالهم، وتفرّقت عائلاتهم، وجاع أطفالهم، وهزلت أجسادهم وانتفخت بطونهم، وفتكت بهم الأمراض لعدم قدرة الكثيرين منهم على شراء الأدوية إذا ما وُجدت، ولانعدام الاستشفاء وارتفاع فاتورته، الذي بات متاحاً فقط للأثرياء، وحكراً عليهم من دون سواهم، ومعظمهم راكم ثرواته من الاحتكار والجشع والنهب والفساد، ومن التلاعب بسعر صرف الدولار على حساب العملة الوطنية، ومن الاحتكار و»التجارة» بالمحروقات والغذاء والزيت والدواء والطحين، والخضار والفاكهة والأجبان والألبان التي باتت من المحرّمات على أفواه فقراء الناس وأصحاب الدخل المحدود، ومما كانت تسمّى بالطبقة الوسطى التي سُحقت وسُحلت وانعدم وجودها.
كلّ هذه الكوارث والمآسي والأزمات والأوجاع استوطنت دفعة واحدة، بيوت معظم اللبنانيين ونفوسهم، وكوَتهم بنار الأسعار الحارقة، وحوّلتهم إلى مجرد أرقام ووجوه وأسماء وأشكال بشرية، باستثناء «صوتهم» الانتخابي الذي سيبقى عصياً وقوياً في مواجهة المنظومة السياسية القائمة، إذا ما أحسنوا تحصينه وصونه، واستعماله في المكان الصحّ والزمان الصحّ والاختيار الصحّ، وضدّ من يحاول أن يطرح نفسه بديلاً عنها، من قوى موجودة ومستجدة، نبتت كالفطر، من دون ان تقدّم لغاية اليوم رؤية موحدة وبرنامجاً واضحاً يمكن الرهان عليهما، وحتى أنها لا تملك شيئاً مفيداً يقوّض أسس هذه المنظومة ويصلح للتغيير والاصلاح، وكلّ ما يراه الشعب ويسمعه عنها أنها قوى ومجموعات وجمعيات مشتتة تتناتش على الترشّح والأمل بنيل مقعد نيابي يبدو بعيد المنال، إذا لم تنتظم في لوائح موحدة لتقدم صورة زاهية، وتزرع املاً وإنْ طالت ترجمته. لا أن تشكل خيبات إضافية على هذا الشعب الذي يعاني بما يكفي ويفيض…
هذا «الصوت» الانتخابي الذي تتصارع وتتقاتل كلّ القوى من داخل الحكم وخارجه لتنال شرف الحصول عليه تكمن فيه القوّة الخفية والعلنية، بعد أن حوّلت المنظومة السياسية أصحابه إلى مجرد أرقام لا قيمة أو ضرورة أو حقوق لها، في قواميسهم السياسية، واختصرت بكلّ بساطة مواطنيته وإنسانيته بهذا «الصوت» الانتخابي مع أنها تمعن في مصادرته بشعارات وعناوين وخطابات طائفية ومذهبية…!
إنّ إدارة ظهر المنظومة السياسية للشعب، وإمعانها في سياساتها الإفسادية، وفي سرقة مال الفقراء واليتامى والمحتاجين وأبناء السبيل، وحرمانهم من حقهم في الحياة والعيش الكريم، وفي المواطنية الصحيحة التي تليق بهم كبشر، يجب بل من الواجب الوطني والإنساني أن تواجه بالمثل والردع، وردّ «الصاع صاعين»، وبأنّ «الرطل يحتاج إلى رطل ووقية» لتأمين الغلبة أو أقله التوازن، وهذا أضعف الإيمان، ولا يمكن تحقيقهما إلا بهذا «الصوت» السحري.
لا يعتقدنّ أحد أنه يمكن التعويل على الانتخابات النيابية الحامية الوطيس، بإحداث التغيير والإنقاذ مهما كانت نتائجها، لأنها مجرّبة بعد كلّ استحقاق، ولم تحدث خرقاً أو فرقاً، في جدار الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية التي تزداد تفاقماً، والتي لا يمكن بالعقلية السياسية المتحجرة، وبطغيان المصالح والمنافع المتبادلة، بين مكونات المنظومة السياسية، ومن الذين «يطاحشون» للدخول إلى مجلس النواب، وبالطريقة المعتمدة التي تدار بها شؤون البلاد والعباد، أن يكون بمقدورها أن تعيد بناء وطن وقيام دولة مؤسسات وقانون وعدالة ومساواة بين شرائح المجتمع اللبناني ومكوناته الطائفية والمذهبية والمناطقية.
كلّ ما في الأمر انّ الانتخابات استحقاق دستوري يجب القيام به، من دون أن تتوفر فيه عوامل المحاسبة، بعد الغرق في الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار، وبعدما أصبح حكم الدولة ومؤسساتها ودستورها وقوانينها وقضائها وأمنها في الحضيض، والشعب الذي يختار «نواب الأمة» مخدّر وفقير وعاطل من العمل، وصامت وغير آبه لمصيره ولمستقبل أجياله، بل أكثر من ذلك تحوّل الى شريك «مضارب» في الخلل الكبير القاتل والمدّمر الذي بلغه ووطنه المنكوب، بسوء تدبيره وسكوته المريع على ممارسات وسلوكيات حكامه، ولم يعد يملك في هذا الوطن سوى «صوته» الانتخابي لآخر مرة، والفرصة متاحة أمامه ليكفّر عن أخطائه، علّه في هذه الدورة الانتخابية، يحسن «التصويت» والاختيار…