نعم ليكن الشعار الانتخابي منع تغيير هوية لبنان الوطنية المقاوِمة
} خضر رسلان
الهدف الأساسي للشعار الانتخابي في المجتمعات التي لا تقودها حسابات طائفية او إملاءات خارجية هو جذب الناخبين من خلال عبارات وعناوين تبرز الاهتمام بما يعاني منه المواطن او بما يخدم بناء الوطن وتطويره، الأمر الذي يدفع الناخبين الى تأييد المرشحين أو القوائم الانتخابية التي يرى فيها أملاً في تحقيق الطموحات والتطلعات المتبلورة من خلال شعارها في المنافسة الانتخابية.
في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقرّرة أواسط أيار المقبل، وفي ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يزرح تحت كاهلها المواطنون اللبنانيون، والتي من المفترض ان تتصدّر آلية إيجاد الحلول لها الشعارات الانتخابية لمختلف القوى والأحزاب، نرى بروز عنوان ملتبس يربط بين الانتخابات وتغيير وجه لبنان، ويتخذ منه شعاراً انتخابياً يُراد من خلاله إرجاع عقارب الساعة الى أواسط القرن الماضي حيث دار الصراع حول هوية لبنان، وحينذاك جرت عملية التشريح للجغرافيا اللبنانية وتمّ تقسيمها بين أطراف مستباحة منها بالإهمال والإنماء غير المتوازن، والأخطر من ذلك ترك شقه الجنوبي مستباحاً للاعتداءات «الإسرائيلية» اليومية. إلا أنه، والحقّ يُقال، اتفقوا على وجه لبنان بل تفننوا في إظهار جماليات اللغة العربية من خلال نعت لبنان بأنه ذو وجه عربي، فكانت مفردة «ذو» درة التاج التي حفظت للبنان وجهه العربي، إلا أنّ الزمن مع أحداثه وفتنه من أحداث 1958 الى الحرب الأهلية عام 1975 حتى نهايتها عام 1989، ومع إقرار وثيقة الطائف التي أنهت الحرب الأهلية أنهت معها مفاتن الـ «ذو» التي حفظت وجه لبنان لعقود، وبسقوطها سقط الوجه العربي للبنان وأصبح عربيّ الهوية والانتماء.
مصطلح منع «تغيير وجه لبنان» واعتماده شعاراً انتخابياً يقودنا الى دراسة هذا الكيان وظروف إنشائه، والذي هو إحدى مفردات تقسيمات سايكس بيكو التي قسّمت الأوطان وفق خطط مدروسة وأهداف مرسومة وأدوار وظيفية أنيطت بالكيانات الوليدة التي تمّ حتى التدخل في شكل نظامها السياسي وتقسيماتها الاجتماعية. ولبنان وهو جزء من هذه الكيانات فقد أُريدَ له ان يكون ذا وجهٍ مشوّهٍ وطائفياً يعزز فيه دور الإقطاع والإقطاعيين الذين بأغلبهم ينفذون سياسات القناصل والمصالح الأجنبية، هذا هو وجه لبنان الذي يُراد ان يعودوا إليه، والذي يحفظ لأحزابهم الطائفية امتيازاتها وللإقطاع الديني والدنيوي جبروته وسطوته.
الحاملون لشعار رفض تغيير وجه لبنان، إنما يريدون التمسّك بالنظام الطائفي والإبقاء على التفاوت الاجتماعي والإنمائي بين الفئات والمناطق اللبنانية، وإبقاء أطراف الدولة إما مهملة بالتهميش والحرمان او مستباحة للكيان «الإسرائيلي».
وجه لبنان الذي يعرفونه هو انتخاب رئيس جمهورية للدولة اللبنانية بحماية الدبابات «الإسرائيلية»، وجه لبنان هو اتفاق 17 أيار، هو احتجاز وخطف رئيس حكومة وإجباره على الاستقالة والطعن فيه من قبل أبناء جلدته وحلفائه، وجه لبنان الذي يريدونه هو الذي تتحكم بإرادته بشكل سافر موظفة برتبة سفير أجنبي، وجه لبنان الذي لا ينبغي تغييره هو قبول الجوع والمهانة والحصار من قبل الولايات المتحدة الأميركية دون ايّ تململ أو اعتراض، ويقابله التصدي والويل والثبور على أيّ محاولات للاستفادة من العروض الإيرانية الميسّرة في قطاعات عدة أبرزها القمح والنفط والكهرباء… وهناك الكثير الكثير من المفردات والسلوكيات التي تشوّه بل تذلّ الوجه اللبناني العاجز حتى اللحظة عن اعتماده كتاباً موحداً يروي تاريخ الكيان اللبناني والذين سكنوه أو احتلوه.
الانتخابات النيابية ينبغي ان تكون مفصلاً مهماً لتأكيد هوية لبنان الوطنية المتحرّرة من قيود الإملاءات الأميركية التي ما فتئت تجهد لسلب أسباب القوة من أيدي الشعب اللبناني كرمى للصهاينة… لذلك ينبغي ان يكون الشعار الانتخابي الجامع لدى جميع أطياف الشعب اللبناني هو الخفاظ على هوية لبنان الوطنية المستقلة بالفعل والقول، وان باستطاعة الشعب اللبناني الذي فرض خياراته على العدو الصهيوني ان يفرض الأخذ بالخيارات التي تضمن كينونة لبنان واستمراريته والتي تتجسّد حالياً بالقبول بالعروض الاقتصادية والنفطية من روسيا والصين وإيران والتي تضمن في حال الأخذ بها انفكاك لبنان من أزماته الخانقة، الى ذلك فإنّ رفض الخضوع للابتزاز الأميركي في مسألة ترسيم الحدود البحرية سيعزز الهوية الوطنية والدور اللبناني الذي إذا ما اعتمد على قوته الذاتية والمتجسّدة في معادلة الشعب والجيش والمقاومة سوف يصل بالتأكيد الى الحلول المنشودة للأزمات اللبنانية.
نعم صوّتوا لمصلحة عدم تغيير وجه لبنان وهويته المقاومة الشامخة التي فرضت احترامها على الخصوم وفق نظرية: اصنعوا القوة، فإنّ العالم لا يحترم إلا الأقوياء .