أولى
غادة عون شكراً
- لا هي تنفي محبتها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولا التيار الوطني الحر ينكر دعمه لها، لكن هذه المحبة وذلك الدعم لا يستطيعان إخفاء حقيقة أن القاضية غادة عون ظاهرة مميزة في القضاء اللبناني، حبذا لو أن جميع القضاة الذين يحبّون قادة سياسيين وتدعمهم أحزاب يكونون مثلها، فيتحقق التوازن في التنافس على فتح ملفات الفساد، بدل التوازن في التستر عليها.
- طوال الفترة السابقة الممتدة لشهور من السجال حول الإجراءات التي اتخذتها لم يثبت أن ثمة ملفاً من الملفات التي فتحتها بحق شخصيات، كان الاعتقاد السائد أنها فوق الملاحقة والمحاسبة، كان ملفقاً أو مفبركاً، وربما يكون اختياره دون سواه تم سياسياً واستنسابياً، لكن ذلك لا ينفي أن التهم حقيقية والارتكابات حقيقية، وأن الرد بأن الملاحقة استنسابية لا يبرئ ساحة المتهم، ولا يخفي حقيقة أن الرد الجدي هو بإثبات المتهم براءته بالوقائع وملاحقة القاضية عون بتهمة الافتراء وتصنيع جرم كاذب. وكذلك بأن يفتح قضاة آخرون ملفات موازية وليكن استنسابياً لمحسوبين على التيار ورئيس الجمهورية فتكون العدالة هي المستفيدة، واللبنانيون في النهاية هم الرابحون.
- ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا، كان من أبرز ملفات القاضية عون، ونالها الكثير من التجريح بسببه، وتجندت في مواجهتها وحملة التشهير بها، أقلام وشخصيات وتلفزيونات ووزراء ونواب ورؤساء حكومات، وبقيت صامدة لم تهزّها الرياح، التي ربما هزّت لفترة تمسك التيار بدعمها في المضي قدماً في ملفاتها، لكنها مضت، ورغم نجاح الحملة المضادة بحكم ضخامة حجمها ورقعة المشاركين فيها، برسم علامات استفهام حول صدقية الاتهامات، وجدية وجود ملفات، لأن الأمر المثار لم يكن سوء ادارة المال العام المثبت بواقع الانهيار، بل الإثراء غير المشروع، حتى تم فتح الملف في عدد من الدول الأوروبية، فنالت القاضية عون بعض التعاطف والمصداقية، لكن الحملة المضادة نجحت بالتشكيك بصدقية الملاحقة الأوروبية، وتجندت في الحملة شخصيات في جمعيات وأحزاب “الثورة” وإعلامها وإعلامييها، بصورة مباشرة أو مواربة تطرح أسئلة التشكيك، حتى جاءت الضربة القاضية بالإعلان الأوروبي عن الحجز على أموال وممتلكات سلامة وشقيقه، فساد الصمت المريب.
- الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تنافس السياسيين، وتناتشهم للحصص، وتراشقهم بالتهم، معنيون بأن يشهدوا للقاضية عون بأنها نجحت بتقديم مثال للشجاعة والنزاهة والمهنية، وأن ما اتهمت به من الشعبوية والاستعراض، كان آخر السلاح الذي اضطرت للاستعانة به منعاً للتعتيم على الملفات التي تتولاها، عندما نجحت الحملة بالتسلل الى الصفوف القضائية لكفّ يدها، وإن كان الكلام عن أنها تتحرك بتوجيه من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر صحيحاً فتلك تحسب لهم وليس عليها، ويا حبذا لو نشهد من القضاة الذين يستقوون بالحماية السياسية من يشبه غادة عون، لفتح ملفات حقيقية لفساد حقيقي.
- الذين لا يعرفون غادة عون ولا تعرفهم، هم الرصيد الحقيقي الذي يجب أن يحسم خياره مع اتضاح الصورة الى جانبها، وأن ينصرها، وهؤلاء هم الصخرة التي يمكنها الاستناد عليها أمام ضراوة الحملة المستجدة، خصوصاً من أصحاب شعارات، “ملاحقة سلامة تؤثر على مفاوضات صندوق النقد الدولي”، و”ملاحقة سلامة تؤثر على سعر الصرف”، و”الانتظام العام”، و”المصلحة العليا للدولة “، دون أن يجرؤ أحد على القول إن ملاحقة سلامة افتراء، وذلك يعني شيئاً واحداً، أنهم يريدون حماية أنفسهم بحماية سلامة، لأن ملفاتهم مشابهة، لا يمكن الدفاع عنها بطلب البراءة، بل بالتحذير من المخاطر بلغة أقرب للتهديد، “سينهار البلد إذا أقيم العدل”، بدلاً من القول “ان البلد لن يقوم ما لم يقم العدل”.
- بأمثال غادة عون التي ليس عندها الا مضمون الملف المعروض أمامها، ولا تقيم حساباً للذقون الممشّطة، ثمة أمل بنهضة القضاء وإقامة ميزان العدالة.