الحياة وقفة عز وكرامة وليس بالخبز وحده يحيا الشعب
} علي بدر الدين
لم يعد مطلوباً ولا مجدياً، ان يستمرّ اللبنانيون أو معظمهم على الأقلّ، بالوقوف على أطلال مآسيهم ومعاناتهم وفقرهم وجوعهم وإذلالهم وحرمانهم حتى من أدنى حقوقهم، ويكتفون بذرف الدمع مدراراً، على ما اقترفه النظام السياسي الطائفي بحقهم على مدى ما يقارب العقود التسعة، أيّ منذ أن منحت دولاً انتدبت واستعمرت واحتلت، وأخرى أيّدت ودعمت، لبنان استقلالاً منقوصاً غير مكتمل العناصر والشروط، التي يمكن أن تجعل منه وطناً حقيقياً مستقلاً، ونهائياً لكلّ شعبه بطوائفه ومذاهبه ومناطقه وتوجهاته، وأن يكون بالنسبة لهم الملجأ والملاذ الآمن، وأن يتساوى الجميع فيه فعلاً، بالواجبات والحقوق، لا أن يكون «وطناً» هشاً وضعيفاً وملغّماً، تحكمه طبقة سياسية ومالية فاسدة،»ركّبَها»المندوب السياسي الفرنسي، قبل أن يغادر لبنان، وجعلها «وديعة» مصانة ومحصّنة لدى اللبنانيين، ممنوع ان تُفنى أو تُصادَر وغير قابلة للتغيير في أيّ وقت، واستمرارها مرهون ومشروط بالتوريث السياسي والسلطوي والتحاصصي بالعدل والقسطاس، مهما اختلفت وتعاقبت مكوناتها ومنظوماتها وعهودها وحكوماتها ونوابها، إلى ان يقضي الله امرا كان مفعولاً.
وفعلاً نجحت هذه الطبقة رغم تنوعها أسماءً ووجوهاً وسياسة وطائفية ومذهبية، في ان تبقى أمينة ووفية لوصية أسيادها، والتزمت نصاً وروحاً، شكلاً ومضموناً بالتوريث السياسى والسلطوي والتحاصصي التي يشهد الشعب على فصولها ونتائجها المدمّرة للبنان، ويدفع أثمانها جوعاً وفقراً وهدماً ممنهجاً ومبرمجاً لأسس الدولة ومؤسّساتها، وفشّلاً لكلّ قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، والتسويق والترويج في الداخل والخارج، أن إنتاج لبنان قائم على السياحة و»الخدمات» فقط، مع أن تكاثر الصراعات السياسية وتعدد الخلافات المفتعلة، والفتن المتنقلة والمعارك العسكرية، والانكفاءات الطائفية والمذهبية، وإثارة الغرائز والعصبيات والنعرات، وتعميم «ثقافة» الفساد والهدر والصفقات المشبوهة، وتحكم «مافيات» السلطة والمال والتجار والاحتكار أفراداً وشركات حصرية، موزعة بالتساوي من أصحاب النفوذ على الأزلام والمحاسيب والأقربين، كلها وغيرها من «أفعال» مشينة للحاكمين المتعاقبين أدّت إلى انهيارات متتالية، على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات الإنتاجية الاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية، وأطاحت بالركيزة الأساسية التي يتغنّى فيها أركان الدولة، ومنها تحديداً، قطاع السياحة و»الخدمات»، بعد أن أفرغت البلد من كلّ مقومات الدولة والمؤسسات، وهجّرت شعبه، وتخلى عنه السياح و»المصطافون» العرب والأجانب الذين كانوا «يتمتعون» بهوائه وبحره وشعبه «الطيب الأعراق» والمضياف.
بعد كلّ هذه العقود، التي تعاقبت خلالها عهود وحكومات وسلطات ونواب ووزراء، وما أنتجته من كوارث ومآس ومعاناة وفقر وجوع وغلاء وبطالة وأزمات ومشكلات تتفاقم في كلّ القطاعات، لا يزال اللبنانيون يسمعون الخطاب «السياسي» الطائفي والمذهبي، العنصري ذاته قبل كلّ استحقاق انتخابي نيابي، والوعود المنافقة ذاتها، والكذب الذي هو ملح السياسيين يتقدّم على ما عداه، ويطغى على كلّ شيء ثابت ومتحرك، وكلّ أمر أو فعل أو قرار هو بتوقيت الحاكمين «وملحهم»، ولا بديل لديهم غيره، لأنه أثمر لهم ولا يزال، سلطة ومالاً ونفوذاً وقوة وجبروتاً، ومن خلاله «طوّعوا» جمهورهم وبيئاتهم.
ومن الخطأ الفادح الاعتقاد أنّ الحكام الذين عبروا، وركبوا قطار السلطة، وحدهم من يتحمّل مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع المزرية جداً والمتردّية في لبنان، لأنّ بعض الشعب شريكهم في المسؤولية، لأنه ركب معهم القطار نفسه، ليس كسلطوي بل كمواطن تابع وخانع ومرتهن، وتحويل نفسه إلى سلعة تباع وتشرى، في سوق التجاذبات والانتخابات والسياسات والمصالح والمنافع على قلتها، بل وندرتها بالنسبة لأيّ مواطن الذي لن يحصل إلا على «الفتات» والقشور ومن «الجمل إذنه»، ويقبل مقابل «تضحياته» الجسام، أن يقبل بأيّ ثمن، ممّن يعتقد أنه «ولي نعمته» وأنه على استعداد لبيع ما عنده من قيَمٍ وضمير وإنسانية، وأن يتخلى عن «صوته» الانتخابي الذي يجب استعماله في مكانه وزمانه الصحيحين، إذا أراد الانتقام واسترجاع حقوقه وأمواله المنهوبة والمهرّبة والمصادَرة.
ما يحصل في موسم الانتخابات، لا يبشر بالخير، ولا يوحي أو يؤشر إلى أنّ قلب الطاولة على أحد، ولا إلى تدمير الهيكل على رأس أحد، ولا إلى الإطاحة برأس أحد، لأنّ الشعب يبحث عن لقمة عيشه ودواء أطفاله، وعن عمل ينتشله من فقره وجوعه ووجعه، وعن مَن يشتري «صوته» الانتخابي ويدفع أكثر، على قاعدة «أحلى من بلاش»، وكأنه بالخبز وحده يحيا بعض الشعب، وكأنّ الزمن يتوقف عند المال وحده، مع أهميته وضرورته لمواجهة أعباء الحياة الصعبة خاصة في لبنان، حيث تنعدم الخدمات وينتعش سوق الفساد والنهب والغش والاحتكار والتسلط والاستبداد وانتهاك حقوق والكرامات.
في لبنان دون سواه تخاض «المعارك» الانتخابية، من دون برامج وقيود وشروط وضوابط، ومن دون أن يتعرّف الناخب على المرشح، ويجهل حاضره وتاريخه وسجله وعمله ومصدر أمواله وثقافته، وتحصيله العلمي، وإذا فاز في الانتخابات وأصبح نائباً، ماذا بإمكانه أن يقدّم لناخبيه ولشعبه، وللأمانة التاريخية، فإنّ عدداً من نواب انتخابات 2018، لا أحد يعرفهم لا شكلاً ولا إسماً ولا فعلاً، ولم يشاركوا في اية مناقشات ولم يشرّعوا ولم يوجّهوا سؤالاً إلى الحكومة، وإنْ حضروا أية جلسة نيابية، كأنهم لم يحضروا، ووجودهم وعدمه سيان، وظيفتهم، رفع الإصبع وزيادة عدد فقط، لإظهار قوة هذه الكتلة النيابية أو تلك.
الشعب يتحمّل مسؤولية كبيرة، وربما أكثر من القوى السياسية، التي تبحث عن مصالحها وحماية ثرواتها ومواقعها السلطوية، وهذا من «حقها»، وأيضاً من حق الشعب ان يبحث عن مصلحته وألا تكون «أصواته» في صناديق الاقتراع، سبباً لإيصال أيّ مرشح، لا يستأهل ولا يستحقّ وغير جدير بالمسؤولية، إلى السلطة التشريعية. ومن المعيب أن يصوًت لهذا المرشح او ذاك، وهو مغمض العينين وأطرش الأذنين ومربوط اللسان، وكأنه ينتقم من نفسه وعائلته وأبناء شعبه، ويريد توريطهم بنواب التبعية والارتهان والمصلحة وحمل الألقاب الفضفاضة عليهم. والتي ترتدّ سلباً في وفقرا وإضاعة الحقوق والخدمات عن الشعب.
الحياة وقفة عزّ وكرامة، ماضياً وحاضراً وفي المستقبل وفي كلّ مكان وزمان، فلا تتخلوا عنها مهما اشتدّت الأزمات وتراكمت المصاعب، وحلّت الشدائد والمحن، لأنّ من رحمها تولد الحياة والحرية، وحرام أن يقتصر دور البعض على حمل المرشح على الكتف، ولا التصفيق له، كلما نطق بحرف أو قال كلمة أو أعطى وعداً كاذباً، هو يعرف أنه يكذب، والمصفقون يعرفون أنه كاذب ويكذب، وليس مقبولاً بعد أن يكون البعض من هذا الشعب شريكاً في التكاذب، وفي بناء مجتمع قائم على الكذب والنفاق، وهو يستمتع بلحس المبرد والدم يسيل من فمه…